النيكوتين وصحة القلب والأوعية الدموية... «عندما يصبح السمّ مسبباً للإدمان»
النيكوتين وصحة القلب والأوعية الدموية... «عندما يصبح السمّ مسبباً للإدمان»
الاتحاد العالمي للقلب يدعو لمكافحة وباء التبغ العالمي وحماية الأجيال القادمة
د. عبد الحفيظ يحيى خوجة
تُعد منتجات التبغ مسؤولة عن أكثر من 8 ملايين حالة وفاة كل عام، وتساهم تقريباً في واحدة من كل 6 حالات وفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. وعلى الرغم من الاعتراف العالمي والوعي بالأضرار الصحية المرتبطة بتعاطي التبغ، فإن الطبيعة الخبيثة للنيكوتين، المكون الرئيسي الذي يسبب الإدمان، ظلت في كثير من الأحيان حقيقة أقل شهرة. وقد ساهمت عقود من المعلومات الخاطئة من صناعة التبغ في تعزيز التصور بأن النيكوتين غير ضار، مثل الكافيين.
لقد ثبت أن النيكوتين يسبب الإدمان مثل الهيروين أو الكوكايين، ويلعب دوراً رئيسياً في تحفيز الاستخدام المستدام للتبغ ومنتجات النيكوتين في جميع أنحاء العالم، فهو يبقي الملايين من المستخدمين مدمنين على هذه المنتجات، ما يعرضهم في كثير من الأحيان لمجموعة من المواد السامة الإضافية.
حتى عام 2023، لا يزال كثير من منتجات التبغ والنيكوتين خاضعة للتنظيم والمراقبة القانونية بشكل غير كافٍ؛ حيث يبتكر المصنِّعون استراتيجيات للتحايل على قوانين مكافحة التبغ الحالية، من خلال تقديم منتجات جديدة، تعتمد أحياناً على النيكوتين الاصطناعي، في السوق. وقد ارتفعت شعبية منتجات النيكوتين الترفيهية الجديدة بشكل كبير في كثير من البلدان، ما أثار مخاوف تتعلق بالصحة والسلامة.
رداً على الادعاءات المضللة المحيطة بالنيكوتين، أطلق الاتحاد العالمي للقلب (WHF) أحدث موجز لإجراءاته وسياساته، في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بعنوان «النيكوتين وصحة القلب والأوعية الدموية: عندما يكون السم مسبباً للإدمان»، والذي ألقى الضوء على أحدث الأدلة حول النيكوتين وصحة القلب.
ونستعرض هنا ملخصاً للمنشور الرسمي للاتحاد العالمي للقلب (WHF) تم نشره في موقع الاتحاد الإلكتروني، بعد أن تمت مراجعته من قبل رئيس الاتحاد، ونائبه، ورئيس اللجنة العلمية، والرئيس التنفيذي. وسوف نختتم بموجز لتدابير اتحاد القلب العالمي للتعامل مع النيكوتين ومكافحة التبغ.
تقرير القلب العالمي
لا تزال أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الرئيسي للوفيات في جميع أنحاء العالم؛ حيث أودت بحياة أكثر من 20.5 مليون شخص في عام 2021. (وفقاً لتقرير القلب العالمي، جنيف، أكتوبر «تشرين الأول» 2023)، وخلاصته أن تعاطي التبغ هو عامل خطر رئيسي للإصابة بالأمراض والوفيات القلبية الوعائية؛ حيث يسهم في نحو 17 في المائة من جميع الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك 1.68 مليون حالة وفاة بسبب مرض نقص تروية القلب.
ويزعم مصنعو منتجات التبغ والنيكوتين الترفيهية، وكذلك أنصار منتجاتهم، أن النيكوتين غير ضار مثل الكافيين. ويجادلون بشكل عام بأن الأضرار الصحية الناجمة عن تدخين التبغ، بما في ذلك تأثيره على أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطانات، تعزى إلى الدخان والقطران الناتج عن احتراق التبغ، وليس النيكوتين. وعليه، يقوم كثير من الشركات المصنعة بتسويق الأشكال غير المحترقة من النيكوتين الترفيهي بقوة، مثل أنظمة توصيل النيكوتين الإلكترونية (ENDS) ومنتجات التبغ الساخنة (HTPs)، باعتبارها أقل ضرراً بكثير من السجائر التقليدية.
ومع ذلك، هناك أدلة علمية تصف الآثار الضارة للنيكوتين على صحة الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، والسرطان، ونضج الدماغ. تستعرض الوثائق العلمية أحدث الأدلة حول النيكوتين وصحة القلب والأوعية الدموية، من أجل رفع مستوى الوعي بالآثار الضارة المحتملة للنيكوتين على نظام القلب والأوعية الدموية، وتقديم توصيات قائمة على الأدلة لمجتمع صحة القلب وصانعي السياسات والجمهور بشكل عام.
منتجات استهلاكية تحتوي على النيكوتين
تتوفر على مستوى العالم مجموعة واسعة من منتجات التبغ التجاري والمنتجات الترفيهية المحتوية على النيكوتين، وقد توسعت في السنوات الأخيرة مع طرح منتجات تحتوي على النيكوتين الاصطناعي. وهي تختلف في صياغتها، وطريقة توصيل النيكوتين، ومصدر النيكوتين المستخدم، والمحتوى السام، والانبعاثات، والمخاطر الصحية المرتبطة باستخدامها، وكيفية تنظيمها. تشكل المنتجات التي تحتوي على التبغ الذي يحترق (مثل السجائر والشيشة) مخاطر صحية معروفة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، وذلك بسبب وجود مئات من المواد الكيميائية السامة والمواد المسببة للسرطان في دخان التبغ. تحتوي منتجات التبغ الذي لا يحترق ولا يُدخن (مثل مضغ التبغ والسعوط) أيضاً على مواد سامة مماثلة، وتشكل مخاطر صحية معروفة جيداً.
على الرغم من أنه تبين أن منتجات «ENDS» و«HTPs» تنبعث منها تركيزات أقل من بعض المواد السامة في دخان السجائر (وبالتالي تتميز بـ«مخاطر منخفضة»)، فإن هناك أدلة متزايدة على زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وغيرها من الأضرار الصحية الناجمة عن استخدام هذه المنتجات.
بدءاً من عام 2020، انتشر تعاطي التبغ غير القابل للتدخين بين البالغين بشكل كبير، فتتراوح أعلى التقديرات المبلغ عنها بين 8 في المائة و11 في المائة. ونظراً لإدخالها حديثاً نسبياً في السوق العالمية، فإن معدل انتشار استخدام منتجات (HTPs) أقل، نحو 1.3 في المائة في البلدان التي تم تقييم الاستخدام فيها.
السجائر الإلكترونية
تشير أنظمة توصيل النيكوتين الإلكترونية (ENDS)، والمعروفة أكثر باسم السجائر الإلكترونية، إلى مجموعة واسعة من الأجهزة التي تعمل بالبطاريات، والتي تقوم بتسخين سائل أو هلام أو مادة صلبة تحتوي على النيكوتين لتكوين الهباء الجوي الذي يستنشقه المستخدم. وبعض الأجهزة قادرة على تقديم تركيزات النيكوتين مماثلة أو أكبر من تلك الموجودة في السجائر التقليدية. وتشمل هذه الأجهزة أنظمة الخزانات القابلة لإعادة التعبئة، وأنظمة البودات التي تستخدم الخراطيش، والأنظمة أحادية الاستخدام. تُباع سوائل السجائر الإلكترونية بتركيزات مختلفة من النيكوتين وبمجموعة واسعة من النكهات، بما في ذلك كثير من النكهات الجذابة للشباب، مثل الفاكهة والحلوى والنعناع والمنثول.
تأثيرات النيكوتين على القلب
ما هي التأثيرات الفسيولوجية والسريرية للنيكوتين على نظام القلب والأوعية الدموية؟ يعد النيكوتين مكوناً رئيسياً في جميع منتجات التبغ، ويلعب دوراً حيوياً في آثارها الضارة على القلب والأوعية الدموية. يمارس النيكوتين آثاره عن طريق تحفيز مستقبلات الأسيتيل كولين النيكوتينية (nAChRs) الموجودة في الجهاز العصبي المركزي، عند الوصلات بين-العقدية في الجهاز العصبي اللاإرادي، وعلى الأعضاء المستهدفة في جميع أنحاء الجسم. وتحفيز هذه المستقبلات يسبب تأثيرات فسيولوجية واسعة، مثل إنتاج الجذور الحرة (مواد مضرة بالدم تسيء إلى شرايين القلب)، والالتهاب، والتصاق جدار الأوعية الدموية، وتصلب الشرايين.
يؤدي الاستخدام الحاد للنيكوتين إلى تنشيط الجهاز السيمباثاوي وإطلاق الكاتيكولامين، مما يؤدي إلى ارتفاعات في معدل ضربات القلب، وتوتر الأوعية الدموية، وتضيّق الأوعية التاجية، وضغط الدم، وانقباض عضلة القلب، والطلب على الأكسجين في عضلة القلب، إضافة إلى أن التدخين يسبب إصابة في البطانة الداخلية للشرايين، مما يساعد على تراكم الكوليسترول فيها، وهذا يؤدي إلى تصلب الشرايين والجلطات القلبية.
توصيات الاتحاد العالمي للقلب
يوصي الاتحاد العالمي للقلب باعتماد الإجراءات والتدابير والسياسات التالية لمكافحة التبغ:
• بالنسبة للعامة والمجتمع المدني ومجتمع الرعاية الصحية:
- يجب على جميع الأشخاص، وخصوصاً أولئك الذين يعانون من عوامل الخطر أو أمراض القلب والأوعية الدموية، الامتناع عن استخدام التبغ ومنتجات النيكوتين غير الطبية، لوقايتهم من أحداث القلب والأوعية الدموية، ولمنع إدمان النيكوتين وزيادة مخاطر الأضرار الصحية.
- يجب على المعلمين وقادة المجتمع رفع الوعي العام؛ خصوصاً من خلال الأنشطة التعليمية المخصصة لفئات معينة من السكان (المراهقين والشباب والنساء) للوقاية من إدمان النيكوتين والحد منه، وتقليل عدد المدخنات الحوامل.
- يجب على جميع مقدمي الرعاية الصحية التوصية بشكل منهجي بالإقلاع عن التبغ، وتوفير خدمات الإقلاع عن التبغ، أو الإحالات للمرضى كمعيار للرعاية، لتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتبغ ومضاعفاتها السريرية، والحد من العبء الاجتماعي والاقتصادي للمرض المرتبط بالتبغ.
• بالنسبة لمجتمع البحث العلمي:
- يجب على الباحثين دراسة التأثيرات طويلة المدى لمنتجات أنظمة توصيل النيكوتين الإلكترونية (ENDS) ومنتجات التبغ الساخنة (HTPs) وغيرها من منتجات النيكوتين الترفيهية الجديدة على صحة القلب والأوعية الدموية.
- مواصلة استكشاف دوافع التفاوت في استخدام منتجات النيكوتين والتبغ على مستوى العالم، وداخل المجتمعات الضعيفة أو المهمشة في بلد ما.
- يجب على جميع الباحثين والمؤسسات الأكاديمية والمجلات الطبية والعلمية رفض تعاون صناعة التبغ، والامتناع عن نشر و/ أو تقديم الدراسات الممولة من صناعة التبغ.
• بالنسبة للحكومات:
- حظر أو تقييد إنتاج وتوزيع وتسويق وبيع واستخدام التبغ ومنتجات النيكوتين الترفيهية.
- تعزيز الضرائب على التبغ ومنتجات النيكوتين غير الطبية.
- المطالبة بتغليف موحد مع تحذيرات صحية مصورة، ووضع العلامات المناسبة على منتجات التبغ والنيكوتين، لتنفيذ وتعزيز قرارات اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ (WHO FCTC).
- منع إضافة المنكهات لمنتجات التبغ والنيكوتين الترفيهية.
- حظر ومراقبة كافة أشكال الإعلان والترويج والرعاية المباشرة وغير المباشرة للتبغ ومنتجات النيكوتين الترفيهية.
- حظر ومراقبة نشر الادعاءات المضللة، حول الآثار الصحية للتبغ ومنتجات النيكوتين الترفيهية.
يسهم التبغ في نحو 17 % من جميع الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية
إقليمياً ومحلياً
استكمالاً لهذا التحقيق العلمي حول أحد أهم المشكلات الصحية الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن التدخين، سوف نتعرف على الرأي العلمي إقليمياً ومحلياً لدينا في المملكة العربية السعودية، وقد تفضل بذلك مشكوراً الأستاذ الدكتور خالد بن فايز الحبيب، استشاري أمراض وقسطرة القلب للكبار، بمركز الملك فهد لأمراض وجراحة القلب، كلية الطب جامعة الملك سعود، ورئيس جمعية مكافحة أمراض القلب (نبضات)؛ مؤيداً الاتحاد العالمي للقلب في إجراءاته وسياساته الأخيرة التي اتخذها تجاه النيكوتين، بصفته مادة تسبب الإدمان بشدة، وهي محور جائحة التبغ.
أكد الأستاذ الدكتور الحبيب أن منتجات التبغ جميعها بلاءٌ بلا استثناء، وإن تفاوتت في درجة الخطورة. أما عن المنتجات الجديدة التي يسوَّق لها حديثاً، فإنها خطرة، وقد تسببت في زيادة التدخين؛ خصوصاً بين قطاع الشباب والفتيات في المجتمع السعودي، وهذا ما نشاهده في المقاهي والمطاعم، ولها نتائج سلبية خطيرة؛ حيث تؤدي للإصابة بأمراض وجلطات قلبية وسرطان، ومنه سرطان الثدي عند النساء.
تشير مجموعة كبيرة من الأدلة إلى أن النيكوتين، وكذلك منتجات أنظمة النيكوتين الإلكترونية (ENDS)، يرتبطان بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وغيرها من الآثار السلوكية والصحية الضارة. وتشير البيانات بوضوح إلى أن منتجات التبغ والنيكوتين قادرة على التسبب في الإدمان واستمراريته؛ خصوصاً بين الشباب.
وتطرق البروفسور خالد الحبيب إلى مشكلة التدخين السلبي الذي تصل خطورته أحياناً إلى درجة كبيرة من الإيذاء، تصل إلى المدخن نفسه؛ خصوصاً إذا كان يدخن في محيط العمل وفي الاستراحات. ويقول إن معظم المرضى الذين نراهم في عياداتنا ينفون تدخينهم ولكنهم في الوقت نفسه يعانون من مشكلات في الشرايين والرئتين، على الرغم من أنه ليس لديهم ضغط مرتفع ولا سكري، ولكنهم حتماً يخالطون ويجالسون مدخنين آخرين. هنا، نؤكد على عدم الجلوس مع المدخنين؛ خصوصاً في منطقة الاستراحات في العمل، ويجب الابتعاد عنها تماماً؛ خصوصاً في المناطق المغلقة الخاصة بالمدخنين.
الشرق الأوسط
الاتحاد العالمي للقلب يدعو لمكافحة وباء التبغ العالمي وحماية الأجيال القادمة
د. عبد الحفيظ يحيى خوجة
تُعد منتجات التبغ مسؤولة عن أكثر من 8 ملايين حالة وفاة كل عام، وتساهم تقريباً في واحدة من كل 6 حالات وفاة بسبب أمراض القلب والأوعية الدموية. وعلى الرغم من الاعتراف العالمي والوعي بالأضرار الصحية المرتبطة بتعاطي التبغ، فإن الطبيعة الخبيثة للنيكوتين، المكون الرئيسي الذي يسبب الإدمان، ظلت في كثير من الأحيان حقيقة أقل شهرة. وقد ساهمت عقود من المعلومات الخاطئة من صناعة التبغ في تعزيز التصور بأن النيكوتين غير ضار، مثل الكافيين.
لقد ثبت أن النيكوتين يسبب الإدمان مثل الهيروين أو الكوكايين، ويلعب دوراً رئيسياً في تحفيز الاستخدام المستدام للتبغ ومنتجات النيكوتين في جميع أنحاء العالم، فهو يبقي الملايين من المستخدمين مدمنين على هذه المنتجات، ما يعرضهم في كثير من الأحيان لمجموعة من المواد السامة الإضافية.
حتى عام 2023، لا يزال كثير من منتجات التبغ والنيكوتين خاضعة للتنظيم والمراقبة القانونية بشكل غير كافٍ؛ حيث يبتكر المصنِّعون استراتيجيات للتحايل على قوانين مكافحة التبغ الحالية، من خلال تقديم منتجات جديدة، تعتمد أحياناً على النيكوتين الاصطناعي، في السوق. وقد ارتفعت شعبية منتجات النيكوتين الترفيهية الجديدة بشكل كبير في كثير من البلدان، ما أثار مخاوف تتعلق بالصحة والسلامة.
رداً على الادعاءات المضللة المحيطة بالنيكوتين، أطلق الاتحاد العالمي للقلب (WHF) أحدث موجز لإجراءاته وسياساته، في 15 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، بعنوان «النيكوتين وصحة القلب والأوعية الدموية: عندما يكون السم مسبباً للإدمان»، والذي ألقى الضوء على أحدث الأدلة حول النيكوتين وصحة القلب.
ونستعرض هنا ملخصاً للمنشور الرسمي للاتحاد العالمي للقلب (WHF) تم نشره في موقع الاتحاد الإلكتروني، بعد أن تمت مراجعته من قبل رئيس الاتحاد، ونائبه، ورئيس اللجنة العلمية، والرئيس التنفيذي. وسوف نختتم بموجز لتدابير اتحاد القلب العالمي للتعامل مع النيكوتين ومكافحة التبغ.
تقرير القلب العالمي
لا تزال أمراض القلب والأوعية الدموية السبب الرئيسي للوفيات في جميع أنحاء العالم؛ حيث أودت بحياة أكثر من 20.5 مليون شخص في عام 2021. (وفقاً لتقرير القلب العالمي، جنيف، أكتوبر «تشرين الأول» 2023)، وخلاصته أن تعاطي التبغ هو عامل خطر رئيسي للإصابة بالأمراض والوفيات القلبية الوعائية؛ حيث يسهم في نحو 17 في المائة من جميع الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية، بما في ذلك 1.68 مليون حالة وفاة بسبب مرض نقص تروية القلب.
ويزعم مصنعو منتجات التبغ والنيكوتين الترفيهية، وكذلك أنصار منتجاتهم، أن النيكوتين غير ضار مثل الكافيين. ويجادلون بشكل عام بأن الأضرار الصحية الناجمة عن تدخين التبغ، بما في ذلك تأثيره على أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطانات، تعزى إلى الدخان والقطران الناتج عن احتراق التبغ، وليس النيكوتين. وعليه، يقوم كثير من الشركات المصنعة بتسويق الأشكال غير المحترقة من النيكوتين الترفيهي بقوة، مثل أنظمة توصيل النيكوتين الإلكترونية (ENDS) ومنتجات التبغ الساخنة (HTPs)، باعتبارها أقل ضرراً بكثير من السجائر التقليدية.
ومع ذلك، هناك أدلة علمية تصف الآثار الضارة للنيكوتين على صحة الجهاز التنفسي والقلب والأوعية الدموية، والسرطان، ونضج الدماغ. تستعرض الوثائق العلمية أحدث الأدلة حول النيكوتين وصحة القلب والأوعية الدموية، من أجل رفع مستوى الوعي بالآثار الضارة المحتملة للنيكوتين على نظام القلب والأوعية الدموية، وتقديم توصيات قائمة على الأدلة لمجتمع صحة القلب وصانعي السياسات والجمهور بشكل عام.
منتجات استهلاكية تحتوي على النيكوتين
تتوفر على مستوى العالم مجموعة واسعة من منتجات التبغ التجاري والمنتجات الترفيهية المحتوية على النيكوتين، وقد توسعت في السنوات الأخيرة مع طرح منتجات تحتوي على النيكوتين الاصطناعي. وهي تختلف في صياغتها، وطريقة توصيل النيكوتين، ومصدر النيكوتين المستخدم، والمحتوى السام، والانبعاثات، والمخاطر الصحية المرتبطة باستخدامها، وكيفية تنظيمها. تشكل المنتجات التي تحتوي على التبغ الذي يحترق (مثل السجائر والشيشة) مخاطر صحية معروفة، بما في ذلك أمراض القلب والأوعية الدموية والسرطان، وذلك بسبب وجود مئات من المواد الكيميائية السامة والمواد المسببة للسرطان في دخان التبغ. تحتوي منتجات التبغ الذي لا يحترق ولا يُدخن (مثل مضغ التبغ والسعوط) أيضاً على مواد سامة مماثلة، وتشكل مخاطر صحية معروفة جيداً.
على الرغم من أنه تبين أن منتجات «ENDS» و«HTPs» تنبعث منها تركيزات أقل من بعض المواد السامة في دخان السجائر (وبالتالي تتميز بـ«مخاطر منخفضة»)، فإن هناك أدلة متزايدة على زيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية وغيرها من الأضرار الصحية الناجمة عن استخدام هذه المنتجات.
بدءاً من عام 2020، انتشر تعاطي التبغ غير القابل للتدخين بين البالغين بشكل كبير، فتتراوح أعلى التقديرات المبلغ عنها بين 8 في المائة و11 في المائة. ونظراً لإدخالها حديثاً نسبياً في السوق العالمية، فإن معدل انتشار استخدام منتجات (HTPs) أقل، نحو 1.3 في المائة في البلدان التي تم تقييم الاستخدام فيها.
السجائر الإلكترونية
تشير أنظمة توصيل النيكوتين الإلكترونية (ENDS)، والمعروفة أكثر باسم السجائر الإلكترونية، إلى مجموعة واسعة من الأجهزة التي تعمل بالبطاريات، والتي تقوم بتسخين سائل أو هلام أو مادة صلبة تحتوي على النيكوتين لتكوين الهباء الجوي الذي يستنشقه المستخدم. وبعض الأجهزة قادرة على تقديم تركيزات النيكوتين مماثلة أو أكبر من تلك الموجودة في السجائر التقليدية. وتشمل هذه الأجهزة أنظمة الخزانات القابلة لإعادة التعبئة، وأنظمة البودات التي تستخدم الخراطيش، والأنظمة أحادية الاستخدام. تُباع سوائل السجائر الإلكترونية بتركيزات مختلفة من النيكوتين وبمجموعة واسعة من النكهات، بما في ذلك كثير من النكهات الجذابة للشباب، مثل الفاكهة والحلوى والنعناع والمنثول.
تأثيرات النيكوتين على القلب
ما هي التأثيرات الفسيولوجية والسريرية للنيكوتين على نظام القلب والأوعية الدموية؟ يعد النيكوتين مكوناً رئيسياً في جميع منتجات التبغ، ويلعب دوراً حيوياً في آثارها الضارة على القلب والأوعية الدموية. يمارس النيكوتين آثاره عن طريق تحفيز مستقبلات الأسيتيل كولين النيكوتينية (nAChRs) الموجودة في الجهاز العصبي المركزي، عند الوصلات بين-العقدية في الجهاز العصبي اللاإرادي، وعلى الأعضاء المستهدفة في جميع أنحاء الجسم. وتحفيز هذه المستقبلات يسبب تأثيرات فسيولوجية واسعة، مثل إنتاج الجذور الحرة (مواد مضرة بالدم تسيء إلى شرايين القلب)، والالتهاب، والتصاق جدار الأوعية الدموية، وتصلب الشرايين.
يؤدي الاستخدام الحاد للنيكوتين إلى تنشيط الجهاز السيمباثاوي وإطلاق الكاتيكولامين، مما يؤدي إلى ارتفاعات في معدل ضربات القلب، وتوتر الأوعية الدموية، وتضيّق الأوعية التاجية، وضغط الدم، وانقباض عضلة القلب، والطلب على الأكسجين في عضلة القلب، إضافة إلى أن التدخين يسبب إصابة في البطانة الداخلية للشرايين، مما يساعد على تراكم الكوليسترول فيها، وهذا يؤدي إلى تصلب الشرايين والجلطات القلبية.
توصيات الاتحاد العالمي للقلب
يوصي الاتحاد العالمي للقلب باعتماد الإجراءات والتدابير والسياسات التالية لمكافحة التبغ:
• بالنسبة للعامة والمجتمع المدني ومجتمع الرعاية الصحية:
- يجب على جميع الأشخاص، وخصوصاً أولئك الذين يعانون من عوامل الخطر أو أمراض القلب والأوعية الدموية، الامتناع عن استخدام التبغ ومنتجات النيكوتين غير الطبية، لوقايتهم من أحداث القلب والأوعية الدموية، ولمنع إدمان النيكوتين وزيادة مخاطر الأضرار الصحية.
- يجب على المعلمين وقادة المجتمع رفع الوعي العام؛ خصوصاً من خلال الأنشطة التعليمية المخصصة لفئات معينة من السكان (المراهقين والشباب والنساء) للوقاية من إدمان النيكوتين والحد منه، وتقليل عدد المدخنات الحوامل.
- يجب على جميع مقدمي الرعاية الصحية التوصية بشكل منهجي بالإقلاع عن التبغ، وتوفير خدمات الإقلاع عن التبغ، أو الإحالات للمرضى كمعيار للرعاية، لتقليل مخاطر الإصابة بالأمراض المرتبطة بالتبغ ومضاعفاتها السريرية، والحد من العبء الاجتماعي والاقتصادي للمرض المرتبط بالتبغ.
• بالنسبة لمجتمع البحث العلمي:
- يجب على الباحثين دراسة التأثيرات طويلة المدى لمنتجات أنظمة توصيل النيكوتين الإلكترونية (ENDS) ومنتجات التبغ الساخنة (HTPs) وغيرها من منتجات النيكوتين الترفيهية الجديدة على صحة القلب والأوعية الدموية.
- مواصلة استكشاف دوافع التفاوت في استخدام منتجات النيكوتين والتبغ على مستوى العالم، وداخل المجتمعات الضعيفة أو المهمشة في بلد ما.
- يجب على جميع الباحثين والمؤسسات الأكاديمية والمجلات الطبية والعلمية رفض تعاون صناعة التبغ، والامتناع عن نشر و/ أو تقديم الدراسات الممولة من صناعة التبغ.
• بالنسبة للحكومات:
- حظر أو تقييد إنتاج وتوزيع وتسويق وبيع واستخدام التبغ ومنتجات النيكوتين الترفيهية.
- تعزيز الضرائب على التبغ ومنتجات النيكوتين غير الطبية.
- المطالبة بتغليف موحد مع تحذيرات صحية مصورة، ووضع العلامات المناسبة على منتجات التبغ والنيكوتين، لتنفيذ وتعزيز قرارات اتفاقية منظمة الصحة العالمية الإطارية بشأن مكافحة التبغ (WHO FCTC).
- منع إضافة المنكهات لمنتجات التبغ والنيكوتين الترفيهية.
- حظر ومراقبة كافة أشكال الإعلان والترويج والرعاية المباشرة وغير المباشرة للتبغ ومنتجات النيكوتين الترفيهية.
- حظر ومراقبة نشر الادعاءات المضللة، حول الآثار الصحية للتبغ ومنتجات النيكوتين الترفيهية.
يسهم التبغ في نحو 17 % من جميع الوفيات الناجمة عن أمراض القلب والأوعية الدموية
إقليمياً ومحلياً
استكمالاً لهذا التحقيق العلمي حول أحد أهم المشكلات الصحية الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن التدخين، سوف نتعرف على الرأي العلمي إقليمياً ومحلياً لدينا في المملكة العربية السعودية، وقد تفضل بذلك مشكوراً الأستاذ الدكتور خالد بن فايز الحبيب، استشاري أمراض وقسطرة القلب للكبار، بمركز الملك فهد لأمراض وجراحة القلب، كلية الطب جامعة الملك سعود، ورئيس جمعية مكافحة أمراض القلب (نبضات)؛ مؤيداً الاتحاد العالمي للقلب في إجراءاته وسياساته الأخيرة التي اتخذها تجاه النيكوتين، بصفته مادة تسبب الإدمان بشدة، وهي محور جائحة التبغ.
أكد الأستاذ الدكتور الحبيب أن منتجات التبغ جميعها بلاءٌ بلا استثناء، وإن تفاوتت في درجة الخطورة. أما عن المنتجات الجديدة التي يسوَّق لها حديثاً، فإنها خطرة، وقد تسببت في زيادة التدخين؛ خصوصاً بين قطاع الشباب والفتيات في المجتمع السعودي، وهذا ما نشاهده في المقاهي والمطاعم، ولها نتائج سلبية خطيرة؛ حيث تؤدي للإصابة بأمراض وجلطات قلبية وسرطان، ومنه سرطان الثدي عند النساء.
تشير مجموعة كبيرة من الأدلة إلى أن النيكوتين، وكذلك منتجات أنظمة النيكوتين الإلكترونية (ENDS)، يرتبطان بزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، وغيرها من الآثار السلوكية والصحية الضارة. وتشير البيانات بوضوح إلى أن منتجات التبغ والنيكوتين قادرة على التسبب في الإدمان واستمراريته؛ خصوصاً بين الشباب.
وتطرق البروفسور خالد الحبيب إلى مشكلة التدخين السلبي الذي تصل خطورته أحياناً إلى درجة كبيرة من الإيذاء، تصل إلى المدخن نفسه؛ خصوصاً إذا كان يدخن في محيط العمل وفي الاستراحات. ويقول إن معظم المرضى الذين نراهم في عياداتنا ينفون تدخينهم ولكنهم في الوقت نفسه يعانون من مشكلات في الشرايين والرئتين، على الرغم من أنه ليس لديهم ضغط مرتفع ولا سكري، ولكنهم حتماً يخالطون ويجالسون مدخنين آخرين. هنا، نؤكد على عدم الجلوس مع المدخنين؛ خصوصاً في منطقة الاستراحات في العمل، ويجب الابتعاد عنها تماماً؛ خصوصاً في المناطق المغلقة الخاصة بالمدخنين.
الشرق الأوسط