موسم الإنفاق الاستهلاكي
موسم الإنفاق الاستهلاكي
د. خالد رمضان
يشكل إنفاق المستهلكين 60% من قوة الاقتصاد العالمي اليوم، حيث يشتري مواطنو العالم أغراضاً استهلاكية بقيمة 44 تريليون دولار سنوياً، أي أنهم ينفقون 1.4 مليون دولار في الثانية الواحدة، ولهذا، لم يكن غريباً أن يراهن التجار على سخاء المستهلكين خلال شهر رمضان المبارك، باعتباره أحد أهم مواسم المبيعات ازدهاراً خلال العام، ففيه ينمو الطلب، ويتم التخلص من المخزون الراكد، وتنتعش آمال التجار بتحقيق أرباح قصيرة الأجل في قطاعات حيوية مثل المواد الغذائية، والمطاعم، ومتاجر التجزئة، والمخبوزات والحلويات، مما يخلق تأثيراً مضاعفاً للنمو خلال الربع الثاني، والأهم أن زيادة الإنفاق تعتبر مؤشراً مطمئناً على بقاء شهية الزبائن للتسوق، وليس هناك أشد من انكماش الإنفاق، والذي يعد وصفة سيئة جداً لأي اقتصاد، فيما يعتبر انتعاش الطلب أمراً بالغ الأهمية للتعافي الاقتصادي في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة.
يحاول التجار بكافة الطرق الاستفادة من إقبال المستهلكين المحموم على الشراء، واستعدادهم لاكتشاف منتجات جديدة، فيما تزداد وتيرة تحميل تطبيقات التسوق أونلاين، وبخاصة البقالة، خلال الأسبوعين الأولين من الشهر الفضيل، ويمكن تقسيم جمهور المستهلكين الرمضانيين إلى ست شخصيات رئيسة: الأولى شخصية الصائم المتعبد، والذي ينفق بكثرة على السلع والتطبيقات والخدمات المتعلقة بتجويد صيامه، مثل الذهاب لأداء العمرة وشراء الكتب الدينية، والشخصية الثانية، محبة للترفيه، وهذه تنفق بكثرة على الخدمات الترفيهية مثل الاشتراك في تطبيقات الأفلام والمسلسلات، وألعاب الفيديو جيم، أما الشخصية الثالثة فمهتمة بالمطبخ، وهذه تركز على وصفات الإفطار والسحور وقوائم وجبات المطاعم، وأفضل العروض التنافسية للسوبر ماركت، والشخصية الرابعة مهتمة بالجمال، وهذه تركز على شراء منتجات التجميل والعناية الشخصية، أما الشخصية الخامسة فهي الرحالة، وهذه تبحث عن حجوزات الفنادق وتذاكر الطيران، والشخصية السادسة، عاشقو التسوق، وهذه تطلب أفضل الأسعار، وتقارن بين الخصومات والعروض الترويجية.
لكن الأمور ليست وردية كما يعتقد البعض، إذ تصطدم هذه المواسم التجارية، بواقع صعب للمستهلكين الحائرين بين أمرين كلاهما مر، فإما الشراء فوراً قبل زيادة الأسعار أكثر مما هي عليه، وأما الاحتفاظ بالكاش والانتظار حتى تتراجع الأسعار، وبالرغم من رسوخ هذا التصور الكلاسيكي لدى جمهور عريض من المستهلكين، إلا أن أمر الشراء يبقى في النهاية مرتبطاً بالسعادة والاحتياج والقدرة، بمعنى أن المستهلك المقتدر يقبل غالباً على شراء الأغراض التي تشعره بالسعادة والمتعة النفسية، مثل شراء احتياجات رمضان الموسمية التي تشعره بمتعة الوفاء بالمتطلبات الأسرية، والتي أصبحت عبئاً ثقيلاً هذه الأيام بسبب أزمة الغلاء المستشري، والفرحة بدخول الشهر الفضيل والتي تترجم في شكل هذا التسوق المسؤول، ولهذا، عادة ما يقبل المستهلكون على العلامات التجارية الموثوقة، والتي تمتلك عاملين رئيسين هما: قوة التسعير العادل، والقدرة على إشباع رغبات المستهلكين.
في تلك الأثناء، تجري عملية إعادة تشكيل ممنهجة لسلوك الزبائن، الذي ينصب تركيز معظمهم على شراء السلع الأساسية، بعدما أوقفوا مؤقتاً مشترياتهم من السلع الكمالية والفاخرة، وعلى سبيل المثال، فقد أجبرت زيادات أسعار المساكن والسيارات، قطاع كبير من المستهلكين على ترحيل أحلامهم للمستقبل، ليصبح شراء منزل العمر والسيارة الجديدة فكرة مؤجلة، ومن هنا، يتعين على الشركات اعتماد تسعير عادل، وإبراز القيمة المضافة لمنتجاتهم، حتى يكافئهم الزبائن بالشراء، وبالرغم من إضراب المستهلكين عن شراء الكماليات في عصر التضخم، إلا أن هذا الأمر لن يستمر طويلاً، لأن مؤشر ثقة المستهلكين يمرض ولا يموت، فهو المحرك الحقيقي للنمو، ولهذا، تبدو بعض الشركات أكثر عقلانية ومرونة في تعديل توقعاتها لحجم الإنفاق الاستهلاكي، في ظل حربي غزة وأوكرانيا، وتعطل سلاسل الإمدادات في البحر الأحمر، وارتفاع شحن حاويات السلع لمستويات قياسية، إلا أن الخطر الرئيس للشركات يكمن في اعتياد المستهلكين على سلوك الاستغناء عن بعض السلع والمنتجات التي لا يحتاجون إليها.
الرياض
د. خالد رمضان
يشكل إنفاق المستهلكين 60% من قوة الاقتصاد العالمي اليوم، حيث يشتري مواطنو العالم أغراضاً استهلاكية بقيمة 44 تريليون دولار سنوياً، أي أنهم ينفقون 1.4 مليون دولار في الثانية الواحدة، ولهذا، لم يكن غريباً أن يراهن التجار على سخاء المستهلكين خلال شهر رمضان المبارك، باعتباره أحد أهم مواسم المبيعات ازدهاراً خلال العام، ففيه ينمو الطلب، ويتم التخلص من المخزون الراكد، وتنتعش آمال التجار بتحقيق أرباح قصيرة الأجل في قطاعات حيوية مثل المواد الغذائية، والمطاعم، ومتاجر التجزئة، والمخبوزات والحلويات، مما يخلق تأثيراً مضاعفاً للنمو خلال الربع الثاني، والأهم أن زيادة الإنفاق تعتبر مؤشراً مطمئناً على بقاء شهية الزبائن للتسوق، وليس هناك أشد من انكماش الإنفاق، والذي يعد وصفة سيئة جداً لأي اقتصاد، فيما يعتبر انتعاش الطلب أمراً بالغ الأهمية للتعافي الاقتصادي في ظل الظروف الاستثنائية الراهنة.
يحاول التجار بكافة الطرق الاستفادة من إقبال المستهلكين المحموم على الشراء، واستعدادهم لاكتشاف منتجات جديدة، فيما تزداد وتيرة تحميل تطبيقات التسوق أونلاين، وبخاصة البقالة، خلال الأسبوعين الأولين من الشهر الفضيل، ويمكن تقسيم جمهور المستهلكين الرمضانيين إلى ست شخصيات رئيسة: الأولى شخصية الصائم المتعبد، والذي ينفق بكثرة على السلع والتطبيقات والخدمات المتعلقة بتجويد صيامه، مثل الذهاب لأداء العمرة وشراء الكتب الدينية، والشخصية الثانية، محبة للترفيه، وهذه تنفق بكثرة على الخدمات الترفيهية مثل الاشتراك في تطبيقات الأفلام والمسلسلات، وألعاب الفيديو جيم، أما الشخصية الثالثة فمهتمة بالمطبخ، وهذه تركز على وصفات الإفطار والسحور وقوائم وجبات المطاعم، وأفضل العروض التنافسية للسوبر ماركت، والشخصية الرابعة مهتمة بالجمال، وهذه تركز على شراء منتجات التجميل والعناية الشخصية، أما الشخصية الخامسة فهي الرحالة، وهذه تبحث عن حجوزات الفنادق وتذاكر الطيران، والشخصية السادسة، عاشقو التسوق، وهذه تطلب أفضل الأسعار، وتقارن بين الخصومات والعروض الترويجية.
لكن الأمور ليست وردية كما يعتقد البعض، إذ تصطدم هذه المواسم التجارية، بواقع صعب للمستهلكين الحائرين بين أمرين كلاهما مر، فإما الشراء فوراً قبل زيادة الأسعار أكثر مما هي عليه، وأما الاحتفاظ بالكاش والانتظار حتى تتراجع الأسعار، وبالرغم من رسوخ هذا التصور الكلاسيكي لدى جمهور عريض من المستهلكين، إلا أن أمر الشراء يبقى في النهاية مرتبطاً بالسعادة والاحتياج والقدرة، بمعنى أن المستهلك المقتدر يقبل غالباً على شراء الأغراض التي تشعره بالسعادة والمتعة النفسية، مثل شراء احتياجات رمضان الموسمية التي تشعره بمتعة الوفاء بالمتطلبات الأسرية، والتي أصبحت عبئاً ثقيلاً هذه الأيام بسبب أزمة الغلاء المستشري، والفرحة بدخول الشهر الفضيل والتي تترجم في شكل هذا التسوق المسؤول، ولهذا، عادة ما يقبل المستهلكون على العلامات التجارية الموثوقة، والتي تمتلك عاملين رئيسين هما: قوة التسعير العادل، والقدرة على إشباع رغبات المستهلكين.
في تلك الأثناء، تجري عملية إعادة تشكيل ممنهجة لسلوك الزبائن، الذي ينصب تركيز معظمهم على شراء السلع الأساسية، بعدما أوقفوا مؤقتاً مشترياتهم من السلع الكمالية والفاخرة، وعلى سبيل المثال، فقد أجبرت زيادات أسعار المساكن والسيارات، قطاع كبير من المستهلكين على ترحيل أحلامهم للمستقبل، ليصبح شراء منزل العمر والسيارة الجديدة فكرة مؤجلة، ومن هنا، يتعين على الشركات اعتماد تسعير عادل، وإبراز القيمة المضافة لمنتجاتهم، حتى يكافئهم الزبائن بالشراء، وبالرغم من إضراب المستهلكين عن شراء الكماليات في عصر التضخم، إلا أن هذا الأمر لن يستمر طويلاً، لأن مؤشر ثقة المستهلكين يمرض ولا يموت، فهو المحرك الحقيقي للنمو، ولهذا، تبدو بعض الشركات أكثر عقلانية ومرونة في تعديل توقعاتها لحجم الإنفاق الاستهلاكي، في ظل حربي غزة وأوكرانيا، وتعطل سلاسل الإمدادات في البحر الأحمر، وارتفاع شحن حاويات السلع لمستويات قياسية، إلا أن الخطر الرئيس للشركات يكمن في اعتياد المستهلكين على سلوك الاستغناء عن بعض السلع والمنتجات التي لا يحتاجون إليها.
الرياض