زارع الورد
زارع الورد
د. غازي جمجوم
هاتفت الصديق المهندس محمد الدويش رئيس مجلس إدارة شركة «إتاء الزراعية» بعد أن سمعت أنه اتجه إلى زراعة الورود حتى أصبح من أكبر المنتجين المحليين لها وذلك في مزرعة الشركة في المزاحمية على بعد 65 كيلومترا من الرياض. قلت له، مازحا، لقد فاجأني هذا الاتجاه العاطفي منك والذي يدل على وجود أحاسيس من الرقة والشاعرية لم تكن ظاهرة لديك عندما جمعتنا الدراسة الجامعية منذ زمن بعيد. ضحك موضحا أن الموضوع يتجاوز المشاعر والإحساس بالجمال ويصل إلى صناعة كبيرة تتطلب الكثير من الجهد والخبرة لتحويل الصحراء القاحلة إلى جنة يانعة تنتج أجمل أنواع الورود والزهور بعيدا عن مواطنها الأصلية. أمطرته بالأسئلة التي لم يكن ليصبر عليها لولا ما كان بيننا من زمالة ومودة. الشركة بدأت بإنتاج الخضروات في البيوت المحمية ثم تحولت تدريجيا منذ 16 عاما إلى إنتاج الورود والزهور بسبب نمو الطلب المحلي عليها رغم أن فيها تحديا أكبر وفنيات أكثر تعقيدا. يتم استيراد البذور من هولندا التي تعتبر أكبر مركز لتجارة الورود. السوق المحلية تستوعب أغلب المنتج، أما الباقي فيصدر إلى دول الخليج العربي وسورية ولبنان وغيرها. ومع ذلك يتم الاستيراد من عدة دول لسد النقص المحلي وخاصة في أصناف معينة من الزهور التي لا تزرع محليا مثل الزنابق. هناك شركات وطنية أخرى لإنتاج الورود مثل شركة أسترا في تبوك وشركة البكر في الطائف. تتطلب زراعة الورود جوا معتدلا، حوالي 31-32 درجة مئوية. التحكم الدقيق في درجة الحرارة في البيوت المحمية يتم بواسطة التكييف لتبريدها في الصيف أو تدفئتها في الشتاء. البيوت المحمية تسمح باستمرار الإنتاج على مدار العام. الري يتم بالتنقيط ولذا فليس هناك تبذير في استهلاك الماء كما كان عليه الوضع في زراعة القمح في المزارع المفتوحة. يحتوي المشروع على محطة لتحلية الماء بطريقة التناضح العكسي لإزالة ما به من ملوحة. عمر الزهور من 5-10 أيام، ويجب تبريدها خلال كامل فترة الشحن والتخزين. هناك عدة أمراض تصيب الورود تسببها الحشرات والبكتيريا والفطريات والفيروسات، وتنتشر الأمراض المعدية بسرعة في البيوت الحمية إذا غزتها.
دعاني المهندس محمد لزيارة المشروع على الطبيعة ولكنني اكتفيت بزيارة مركز توزيع المنتجات في جدة والاطلاع على الموقع الإلكتروني للشركة على الإنترنت. يحتوي الموقع على صور لكافة الورود التي تنتجها الشركة ويشمل ذلك 28 نوعا من الورود لكل منها اسمه (الأجنبي) الخاص به وكذلك سبعة أنواع من أزهار القرنفل، و14 نوعا من الأقحوان وعدة أنواع من الليلك، بالإضافة إلى العديد من الزهور الأخرى التي تنتجها أو تستوردها الشركة والتي لم أعرف أسماءها باللغة العربية (مثل الخطم، والعايق) بل حتى لم أجد ترجمة لأغلبها في القاموس المتوفر لدي. مثلا لم أعرف أو أجد من أسماء الورد باللغة العربية غير «الجوري» والورد «البلدي» الذي تشتهر به الطائف والمدينة المنورة. شعرت بضحالة حصيلتي اللغوية في هذا المجال. للأسف كثير من الأسماء العربية للزهور والنباتات نسيت واندثرت بسبب قلة استعمالها أو اختفاء الزهور المحلية نفسها. تذكرت مناظر الزهور البرية الجميلة التي تنتشر في منطقة عسير وتذكرت الفل والكادي الجازانيين. وتذكرت كتابا عن الزهور الصحراوية التي تنبعث فجأة لتزدان بها الصحراء بعد أقل كمية من زخات المطر. ويتزامن هذا الأسبوع مع مهرجان الورد الطائفي، وهو حدث جميل يليق بزراعة الورد وصناعة عطره وهما نشاطان عريقان في منطقة الطائف منذ القدم.
من الجميل أن تكون في بلادنا صناعة مزدهرة للورود والزهور ومنتجاتها العطرية، وكثير من مرتفعاتنا الجبلية تتمتع بالجو المناسب لذلك، بل إن أرضنا الطيبة كلها يمكن تحويلها بالتقنيات المناسبة كما يتضح من هذه التجربة لإنتاج هذه المنتجات الجميلة. الأجمل من ذلك أن تدخل الورود والزهور أكثر وأكثر في حياتنا اليومية لتنقل رسائل الود بين المحبين والأصدقاء.
ودعت المهندس محمد الدويش وصوت الفنان طلال مداح يطنطن في أذني:
وردك جميل محلاه
فتّح على غصنه
لما الندى حياه
نوّر وبان حسنه
ومال يمين وشمال...
وردك يا زارع الورد
وردك يا زارع الورد
المصدر: صحيفة عكاظ