شمس الصباح
شمس الصباح
وداد الكواري
هل يمكننا أن نتعلم من تجارب الآخرين، ونستفيد من خلاصة أفكارهم ونوفر على أنفسنا عناء نصف التجربة ونصف المحاولة، إذا كان الجواب نعم، فلنقرأ معا ما كتبه بنيامين فرانكلين في مفكرته، وإذا كان الجواب لا فلنقرأ معا من باب الفضول، يقول فرانكلين: إذا كان هناك الكثير مما يتحتم عليك عمله من أجل نفسك وعائلتك وبلدك وأمتك فكن على استعداد لعمله منذ الصباح الباكر، ولا تدع الشمس تشرق عليك وأنت نائم، واحمل أدواتك من غير قفازات، ويبدو لي أن بعضكم يتساءل: أليس من حق الإنسان أن ينعم بالراحة؟ نعم من حقه، ولكن استخدم وقتك استخداماً حسناً؛ لتنعم إذا كنت تريد الراحة، فالراحة هي عمل، وهي عمل نافع، وهذه الراحة ينالها المثابر الدءوب، أما الكسول فهو يحظى بها دائما، وهل يتصور الإنسان أن الكسل يمنحه الراحة أكثر من العمل؟ كلا.
وعليكم أن تتوقفوا عن أعمالكم الجنونية باهظة الثمن، إن من يشتري ما لا يحتاج إليه فلن يمضي وقت طويل حتى يكون مضطرا إلى بيع ما يحتاج إليه، وما هو ضروري له. وحكماء الناس من يتعلمون من أخطاء الآخرين، أما الحمقى فلا يتعلمون حتى من أخطائهم، والمحظوظ حقا هو من تجعله أخطاء غيره محتاطاً، وشديد الحذر، وما أكثر الذين يحرصون على المظهر البراق والثياب الزاهية بينما تكون بطونهم فارغة وعائلاتهم جائعة، وكثيرا ما يقع الناس؛ بسبب اهتمامهم بالمظاهر في الديون، والحقيقة أن من يذهب للاقتراض فردا كان أو جماعة فهو إنما يذهب للحزن والحرص على المظاهر البراقة، وعندما يشتري الإنسان شيئاً طريفاً واحداً فعليه أن يشتري عشرة أشياء أخرى ليكون مظهره منسجما مع الشيء الأول الذي اشتراه.
وهنا أقول: إن من الأيسر خنق الرغبة الأولى من أن تقوم بإشباع الرغبات التالية لها، إن المظاهر تمنح الصحة ولا تمنع الألم، كما لا يمكنها أن تزيد من قيمة الإنسان، ولكنها على العكس قد تخلق الحسد، وتفتح باب الكوارث، فأي جنون يدفع الإنسان إلى إرهاق نفسه بالديون، ومن أجل هذه التوافه.
فكروا ماذا ستفعلون حين تقعون في الديون، ستشعرون بالخجل لعجزكم عن السداد في الوقت المناسب، وسيدفعكم هذا العجز للهرب والخوف، وفقدان الطاقة على الصدق، وترديد الأكاذيب والمعاذير المزورة، والإنسان الحر لا يكون خجولاً ولا خائفاً من أي شخص آخر، ولكن الفقر والحاجة غالبا ما يسلبان المرء معنوياته وفضائله.
وعلى الإنسان أن يوفر ما يستطيعه للحاجة أو للشيخوخة...ولأن الأقوال لا قيمة لها بغير أفعال، فقد كنت أطبق ما أقول على نفسي، لقد كنت أنوي شراء معطف جديد، وعندما أعدت قراءة ما كتبت قررت أن أرتدي معطفي القديم مدة أطول؛ وذلك لأن شمس الصباح لا تدوم اليوم كله.
المصدر: صحيفة العرب القطرية