بين الطائف والهدى
بين الطائف والهدى
نبيلة حسني محجوب
بعدَ أنْ تحوَّلتْ وجهتُنَا الصيفيَّةُ إلى خارجِ الوطنِ، ظلَّت ذكرياتُ الصَّيفِ بينَ الهدَى والطَّائفِ والشفَا غافيةً، يوقظُها الحنينُ عندمَا نجتمعُ معَ الصديقاتِ؛ اللواتِي كُنَّ يقضينَ صيفهنَّ فِي الطَّائفِ، والذهَاب إلى الهدَى والشفَا، وشِرَاء فاكهتهمَا الطازجةَ التِي لا تجدُ طعمَهَا فِي أيِّ فاكهةٍ مهمَا كانَ مصدرهَا، خصوصًا التِّينَ، والتِّينَ الشوكيَّ، والمشمشَ.
الحنينُ إلى تلكَ المناطقِ والجبالِ بتعرُّجاتِهَا البديعةِ، اشتدَّ وخزُهُ هذَا العام، فقرَّرتُ الذهابَ وحيدةً، لكنِّي خفتُ مِن الوحدةِ، معَ أنَّ الكاتبَ لَا يشعرُ بالوحدةِ، بلْ يفرُّ إليهَا، لكنَّ طولَ الغيابِ عَن الطَّائفِ ومَا حولَهَا؛ وعدمَ معرفتِي بالتحديثاتِ المُبهرةِ التِي حدثتْ خلالَ سنواتِ غيابِي عَن أجملِ الأماكنِ التِي كُنَّا نصيِّفُ فيهَا، أضعفَ ذلكَ الحنينَ، إلَّا أنَّ حرارةَ صيفِ جدَّة أيقظتْ كلَّ الرغبةِ، وأجَّجت الحنينَ لرحلةٍ إلى الشفَا.
التقتْ رغبتِي معَ رغبةِ عددٍ من الصديقاتِ: هالة، فكريَّة، شوقيَّة، عائشة، ناريمان، نجاة، نوال، واجتمعنَا لقضاءِ ثلاثة أيَّامٍ لَا تُنسَى فِي الشفَا، وُفِّقنَا إلى الفندقِ الوحيدِ فِي الشفَا، متكاملِ الخدماتِ الفندقيَّةِ والتعاملِ الرَّاقِي.
في الشفَا، أعجبتنِي تلكَ المحلاتُ الصغيرةُ التِي تبيعُ فيهَا السيِّداتُ السعوديَّاتُ، المأكولاتِ الشعبيَّةَ المشتهرةَ بهَا مناطقُ الجنوبِ، لمْ أكنْ أتخيَّل أنْ أجدَ فِي الشفَا مطاعمَ علَى ذلكَ المستوَى الفاخرِ، المقاهِي أيضًا، لكنْ أتمنَّى تحسينَ خدمةِ العميلِ، بدلًا مِن الوقوفِ في طوابيرَ طويلةٍ لتقديمِ الطلباتِ، ثمَّ العودة لحملِ الطلباتِ، وفِي المقهَى أماكنُ بعيدةٌ عَن مركزِ الطلباتِ، كذلكَ توجدُ أماكنُ مرتفعةٌ ومنخفضةٌ لم نتمكنْ مِن الاستمتاعِ بالجلوسِ فيهَا، وكلُّنَا نحتاجُ إلى مَن يُقدِّم لنَا الخدمةَ.
للأسفِ، وجدتُ هذَا النظامَ فِي أكثرِ من مَقْهَى فِي الشفَا، تذهبُ وتقدِّمُ الطَّلبَ وتدفعُ الحسابَ، ثمَّ تحملُ الطلباتِ وتعودُ تبحثُ عَن أسرتِكَ أو أصدقائِكَ بينَ الأشجارِ، أو اتِّساعِ المكانِ.
بعضُ الأماكنِ بحاجةٍ إلى عنايةٍ؛ كَي لا تقعَ عينُ المصطافِ علَى أكوامِ الحجارةِ والرَّملِ والأوساخِ، وهُو يبحثُ عن منظرٍ مُبهجٍ، وإطلالةٍ جميلةٍ.
فِي الهدَى بحثنَا عَن فندقٍ نكسرُ فيهِ طولَ المسافةِ، ونقيِّلُ فيهِ قليلًا، للأسفِ الفندقُ الذِي قصدنَاهُ مغلقٌ، ذهبنَا إلى الفندقِ الآخرِ، كانَ تصرُّف موظَّفِ الاستقبالِ خشنًا، وكأنَّه يقولُ ليسَ لكُم مكانٌ، لولَا اتِّصالُ هالة بطالبتِهَا مالكةِ الفندقِ، لمَا سمحُوا لنَا بالدخولِ والجلوسِ قليلًا.
اضطُررنَا للبحثِ عَن مَقَهَى فِي الطَّائفِ نتناولُ فيهِ وجبةَ الإفطارِ، استقبالُ الموظَّفِينَ والعاملِينَ رائعٌ، لولَا قلَّةُ عددِ العاملِينَ. نظامُ الفندقِ فِي الدخولِ والمغادرةِ كانَ مزعجًا لنَا، ونحنُ منَّينَا النَّفسَ باغتنامِ كلِّ ساعةٍ في الشفَا، لكنَّهم التزمُوا بموعدِ الدخولِ عندَ الرابعةِ عصرًا، والمغادرةِ بينَ الثانية عشرة والواحدةِ ظهرًا.
لم أرغب في سرد رحلتنا إلى الشفا إلا لتذكير من ولى وجهه عن تلك المناطق البديعة والهواء العليل؛ بأن الأماكنَ أصبحت مختلفة، والأجواء تعبق بالجمال، ولأبدي بعضَ الملحوظات التي ربما تنغص علَى المصطاف والسائح، خصوصاً إذا كانَ معَ أسرته، كذلكَ لازالَ الشفا والهدى بحاجة إلى المزيد من المرافق والفنادق والمطاعم وأماكن الترفيه لكل الأعمار.
كنا مجموعة صديقات، لدينا نفس الذكريات، والمشترَكات الكثيرة، استمتعنا بالصحبة والتنقل بين المزارع والمرافق المختلفة. الصيف لا يوافق موسم الورد والفراولة، لذلك عندما ذهبنا إلى المزارع لم نجد فيها ما كُنَّا نتخيله، لكنَّنا رأينا شجيرات الفراولة والزهرات البيضاء، وحبات الفراولة الصغيرة. رحلة لا تُنسَى أيقظت كلَّ الذكريات التي كانت غافيةً تحت ركام مشاغل الحياة، على أمل تكرارها مرَّة أُخْرى في موسم الورد، كُنَّا نُمنِّي النَّفسَ بالغيمِ والمطرِ، لكنَّ الشمسَ استقبلتنَا بكلِّ وهجِهَا، وفِي مساءِ العودةِ ودَّعتنَا نسماتُ الهواءِ العليلِ تحتَ أشجارِ متنزَّهِ النَّخيلِ.
اللحظاتُ الجميلةُ تُختزنُ ليسَ فقطْ في الذاكرةِ، بلْ فِي القلبِ والعقلِ والنَّفسِ والرُّوحِ، فِي كلِّ كيانِ المرءِ والصحبةِ الحلوةِ، والرفقةِ الطيبةِ، كلُّ هذَا أضفَى علَى رحلتنَا كلَّ هذَا العبقِ الساكنِ بين الأضلاعِ.
المدينة
نبيلة حسني محجوب
بعدَ أنْ تحوَّلتْ وجهتُنَا الصيفيَّةُ إلى خارجِ الوطنِ، ظلَّت ذكرياتُ الصَّيفِ بينَ الهدَى والطَّائفِ والشفَا غافيةً، يوقظُها الحنينُ عندمَا نجتمعُ معَ الصديقاتِ؛ اللواتِي كُنَّ يقضينَ صيفهنَّ فِي الطَّائفِ، والذهَاب إلى الهدَى والشفَا، وشِرَاء فاكهتهمَا الطازجةَ التِي لا تجدُ طعمَهَا فِي أيِّ فاكهةٍ مهمَا كانَ مصدرهَا، خصوصًا التِّينَ، والتِّينَ الشوكيَّ، والمشمشَ.
الحنينُ إلى تلكَ المناطقِ والجبالِ بتعرُّجاتِهَا البديعةِ، اشتدَّ وخزُهُ هذَا العام، فقرَّرتُ الذهابَ وحيدةً، لكنِّي خفتُ مِن الوحدةِ، معَ أنَّ الكاتبَ لَا يشعرُ بالوحدةِ، بلْ يفرُّ إليهَا، لكنَّ طولَ الغيابِ عَن الطَّائفِ ومَا حولَهَا؛ وعدمَ معرفتِي بالتحديثاتِ المُبهرةِ التِي حدثتْ خلالَ سنواتِ غيابِي عَن أجملِ الأماكنِ التِي كُنَّا نصيِّفُ فيهَا، أضعفَ ذلكَ الحنينَ، إلَّا أنَّ حرارةَ صيفِ جدَّة أيقظتْ كلَّ الرغبةِ، وأجَّجت الحنينَ لرحلةٍ إلى الشفَا.
التقتْ رغبتِي معَ رغبةِ عددٍ من الصديقاتِ: هالة، فكريَّة، شوقيَّة، عائشة، ناريمان، نجاة، نوال، واجتمعنَا لقضاءِ ثلاثة أيَّامٍ لَا تُنسَى فِي الشفَا، وُفِّقنَا إلى الفندقِ الوحيدِ فِي الشفَا، متكاملِ الخدماتِ الفندقيَّةِ والتعاملِ الرَّاقِي.
في الشفَا، أعجبتنِي تلكَ المحلاتُ الصغيرةُ التِي تبيعُ فيهَا السيِّداتُ السعوديَّاتُ، المأكولاتِ الشعبيَّةَ المشتهرةَ بهَا مناطقُ الجنوبِ، لمْ أكنْ أتخيَّل أنْ أجدَ فِي الشفَا مطاعمَ علَى ذلكَ المستوَى الفاخرِ، المقاهِي أيضًا، لكنْ أتمنَّى تحسينَ خدمةِ العميلِ، بدلًا مِن الوقوفِ في طوابيرَ طويلةٍ لتقديمِ الطلباتِ، ثمَّ العودة لحملِ الطلباتِ، وفِي المقهَى أماكنُ بعيدةٌ عَن مركزِ الطلباتِ، كذلكَ توجدُ أماكنُ مرتفعةٌ ومنخفضةٌ لم نتمكنْ مِن الاستمتاعِ بالجلوسِ فيهَا، وكلُّنَا نحتاجُ إلى مَن يُقدِّم لنَا الخدمةَ.
للأسفِ، وجدتُ هذَا النظامَ فِي أكثرِ من مَقْهَى فِي الشفَا، تذهبُ وتقدِّمُ الطَّلبَ وتدفعُ الحسابَ، ثمَّ تحملُ الطلباتِ وتعودُ تبحثُ عَن أسرتِكَ أو أصدقائِكَ بينَ الأشجارِ، أو اتِّساعِ المكانِ.
بعضُ الأماكنِ بحاجةٍ إلى عنايةٍ؛ كَي لا تقعَ عينُ المصطافِ علَى أكوامِ الحجارةِ والرَّملِ والأوساخِ، وهُو يبحثُ عن منظرٍ مُبهجٍ، وإطلالةٍ جميلةٍ.
فِي الهدَى بحثنَا عَن فندقٍ نكسرُ فيهِ طولَ المسافةِ، ونقيِّلُ فيهِ قليلًا، للأسفِ الفندقُ الذِي قصدنَاهُ مغلقٌ، ذهبنَا إلى الفندقِ الآخرِ، كانَ تصرُّف موظَّفِ الاستقبالِ خشنًا، وكأنَّه يقولُ ليسَ لكُم مكانٌ، لولَا اتِّصالُ هالة بطالبتِهَا مالكةِ الفندقِ، لمَا سمحُوا لنَا بالدخولِ والجلوسِ قليلًا.
اضطُررنَا للبحثِ عَن مَقَهَى فِي الطَّائفِ نتناولُ فيهِ وجبةَ الإفطارِ، استقبالُ الموظَّفِينَ والعاملِينَ رائعٌ، لولَا قلَّةُ عددِ العاملِينَ. نظامُ الفندقِ فِي الدخولِ والمغادرةِ كانَ مزعجًا لنَا، ونحنُ منَّينَا النَّفسَ باغتنامِ كلِّ ساعةٍ في الشفَا، لكنَّهم التزمُوا بموعدِ الدخولِ عندَ الرابعةِ عصرًا، والمغادرةِ بينَ الثانية عشرة والواحدةِ ظهرًا.
لم أرغب في سرد رحلتنا إلى الشفا إلا لتذكير من ولى وجهه عن تلك المناطق البديعة والهواء العليل؛ بأن الأماكنَ أصبحت مختلفة، والأجواء تعبق بالجمال، ولأبدي بعضَ الملحوظات التي ربما تنغص علَى المصطاف والسائح، خصوصاً إذا كانَ معَ أسرته، كذلكَ لازالَ الشفا والهدى بحاجة إلى المزيد من المرافق والفنادق والمطاعم وأماكن الترفيه لكل الأعمار.
كنا مجموعة صديقات، لدينا نفس الذكريات، والمشترَكات الكثيرة، استمتعنا بالصحبة والتنقل بين المزارع والمرافق المختلفة. الصيف لا يوافق موسم الورد والفراولة، لذلك عندما ذهبنا إلى المزارع لم نجد فيها ما كُنَّا نتخيله، لكنَّنا رأينا شجيرات الفراولة والزهرات البيضاء، وحبات الفراولة الصغيرة. رحلة لا تُنسَى أيقظت كلَّ الذكريات التي كانت غافيةً تحت ركام مشاغل الحياة، على أمل تكرارها مرَّة أُخْرى في موسم الورد، كُنَّا نُمنِّي النَّفسَ بالغيمِ والمطرِ، لكنَّ الشمسَ استقبلتنَا بكلِّ وهجِهَا، وفِي مساءِ العودةِ ودَّعتنَا نسماتُ الهواءِ العليلِ تحتَ أشجارِ متنزَّهِ النَّخيلِ.
اللحظاتُ الجميلةُ تُختزنُ ليسَ فقطْ في الذاكرةِ، بلْ فِي القلبِ والعقلِ والنَّفسِ والرُّوحِ، فِي كلِّ كيانِ المرءِ والصحبةِ الحلوةِ، والرفقةِ الطيبةِ، كلُّ هذَا أضفَى علَى رحلتنَا كلَّ هذَا العبقِ الساكنِ بين الأضلاعِ.
المدينة