الشتاء بين ٣ مدن..!!
الشتاء بين ٣ مدن..!!
م . طلال القشقري
توزَّعت حياتي داخل المملكة بين ٣ مدن، هي الطَّائف التي وُلِدْتُ وترعرعْتُ ودرسْتُ فيها حتَّى نهاية المرحلة الثَّانويَّة العامَّة، وضاحية الظَّهران المُجاوِرة للخُبر والدَّمام بالمنطقة الشرقيَّة، التي درسْتُ فيها، وتحديدًا في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، حتَّى نِلْتُ بكالوريوس الهندسة المدنيَّة، وجدَّة التي توظَّفْتُ وتزوَّجْتُ وأنجبْتُ وتقاعدْتُ فيها، وما زلْتُ أحدَ سُكَّانها غير القادرين على فكِّ سِحْر حُبِّها، ثمَّ مفارقتها مهما دارت رَحَى الزَّمان!.
والشتاء بين هذه المدن يختلف عن بعضها بعضًا، فالمملكة بمساحتها الجغرافيَّة الكبيرة هي أشبه بقارَّة، وتعادل مساحة ٧ دول أوروبيَّة مُجتمعةً هي: فرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، وإيطاليا، وبريطانيا، وهولندا، وبلجيكا، والعَمَى في عَين المتآمِر والحسودِ والحقودِ الذي لا يُصلِّى على خير رسولٍ.
والشتاء في الطَّائف هو الأكثر برودةً بحُكم ارتفاعها عن سطح البحر، وطبيعتها الجبليَّة، وقد يسقط فيها ثلجٌ بين الفَينةِ والأُخْرى، لكنَّها لا تصلُ بالطبع لبرودة أماكن أُخْرى مثل أوروبا، وغيرها من دول الشمال، التي يُصَفِّرُ عدَّادُ درجة حرارتها، بل وينزل لما تحت الصفر.
ويكفي الطَّائفيُّ نفسه من برودة الشتاء، بارتداء الملابس الصوفيَّة، وأكل العصيدة المطبوخة من دقيق البُرِّ أو الدُّخنِ مع السَّمن البرَّيِّ والعسل، لاسيَّما الذي يُنتج في جبال الشفا، ولا زلتُ أذكر فرحي باصطحاب أبي -يرحمه الله- بعد صلوات الفجر في الشتاء لمحلَّات بيع الحليب الطَّازج والسَّاخن والقشطة البلديَّة في حيِّ الشُهداء، فأشربُ الحليبَ، وآكلُ القشطةَ، وأستدفئُ بهمَا لساعاتٍ طِوالٍ.
ويبرد الطقس في شتاء الظَّهران، وكانْ ما يُزعجني فيه أمران، هما: الرطوبة الساحليَّة التي تزيد البردَ بردًا، ولا تجعله سلامًا، وكذلك مشوار المشي اليومي بين سكني الواقع في بركسات سكن الطُلَّاب، وبين مباني الدِّراسة الواقعة فوق قمَّة هضبة الظَّهران، على ممشى خرساني شيَّدته الجامعةُ للطُلَّاب الذين ليست لديهم سيَّارات، ويبلغ طوله مئات الأمتار، وسط لفحات البرد، وزمهريرات الشتاء.
أمَّا شتاءُ جدَّة، فهل هناك حقًّا شتاء في جدَّة؟! هو صحيح أنَّ درجات الحرارة تنخفض، لكن تبقى بين العشرينيَّات والثلاثينيَّات، وما زالت مُكيِّفات الهواء هي عشيقة مخدعي المفضَّلة في البيتِ والسيَّارة، وازدحام جدَّة يجعل أيَّامها صيفًا دائمًا، وضيفًا ثقيلًا لا يُفارق السُكَّان.
ويظلُّ شُكْر الله هو الواجب علينا، إذ يُتخطَّفُ النَّاسُ مِن حَولِنَا فِي الشتاء والصيف، بينما ننعمُ نحنُ بالأمن والأمان، والرفاهيَّة والرَّخاء، في خير الأوطان.
المدينة
م . طلال القشقري
توزَّعت حياتي داخل المملكة بين ٣ مدن، هي الطَّائف التي وُلِدْتُ وترعرعْتُ ودرسْتُ فيها حتَّى نهاية المرحلة الثَّانويَّة العامَّة، وضاحية الظَّهران المُجاوِرة للخُبر والدَّمام بالمنطقة الشرقيَّة، التي درسْتُ فيها، وتحديدًا في جامعة الملك فهد للبترول والمعادن، حتَّى نِلْتُ بكالوريوس الهندسة المدنيَّة، وجدَّة التي توظَّفْتُ وتزوَّجْتُ وأنجبْتُ وتقاعدْتُ فيها، وما زلْتُ أحدَ سُكَّانها غير القادرين على فكِّ سِحْر حُبِّها، ثمَّ مفارقتها مهما دارت رَحَى الزَّمان!.
والشتاء بين هذه المدن يختلف عن بعضها بعضًا، فالمملكة بمساحتها الجغرافيَّة الكبيرة هي أشبه بقارَّة، وتعادل مساحة ٧ دول أوروبيَّة مُجتمعةً هي: فرنسا، وألمانيا، وإسبانيا، وإيطاليا، وبريطانيا، وهولندا، وبلجيكا، والعَمَى في عَين المتآمِر والحسودِ والحقودِ الذي لا يُصلِّى على خير رسولٍ.
والشتاء في الطَّائف هو الأكثر برودةً بحُكم ارتفاعها عن سطح البحر، وطبيعتها الجبليَّة، وقد يسقط فيها ثلجٌ بين الفَينةِ والأُخْرى، لكنَّها لا تصلُ بالطبع لبرودة أماكن أُخْرى مثل أوروبا، وغيرها من دول الشمال، التي يُصَفِّرُ عدَّادُ درجة حرارتها، بل وينزل لما تحت الصفر.
ويكفي الطَّائفيُّ نفسه من برودة الشتاء، بارتداء الملابس الصوفيَّة، وأكل العصيدة المطبوخة من دقيق البُرِّ أو الدُّخنِ مع السَّمن البرَّيِّ والعسل، لاسيَّما الذي يُنتج في جبال الشفا، ولا زلتُ أذكر فرحي باصطحاب أبي -يرحمه الله- بعد صلوات الفجر في الشتاء لمحلَّات بيع الحليب الطَّازج والسَّاخن والقشطة البلديَّة في حيِّ الشُهداء، فأشربُ الحليبَ، وآكلُ القشطةَ، وأستدفئُ بهمَا لساعاتٍ طِوالٍ.
ويبرد الطقس في شتاء الظَّهران، وكانْ ما يُزعجني فيه أمران، هما: الرطوبة الساحليَّة التي تزيد البردَ بردًا، ولا تجعله سلامًا، وكذلك مشوار المشي اليومي بين سكني الواقع في بركسات سكن الطُلَّاب، وبين مباني الدِّراسة الواقعة فوق قمَّة هضبة الظَّهران، على ممشى خرساني شيَّدته الجامعةُ للطُلَّاب الذين ليست لديهم سيَّارات، ويبلغ طوله مئات الأمتار، وسط لفحات البرد، وزمهريرات الشتاء.
أمَّا شتاءُ جدَّة، فهل هناك حقًّا شتاء في جدَّة؟! هو صحيح أنَّ درجات الحرارة تنخفض، لكن تبقى بين العشرينيَّات والثلاثينيَّات، وما زالت مُكيِّفات الهواء هي عشيقة مخدعي المفضَّلة في البيتِ والسيَّارة، وازدحام جدَّة يجعل أيَّامها صيفًا دائمًا، وضيفًا ثقيلًا لا يُفارق السُكَّان.
ويظلُّ شُكْر الله هو الواجب علينا، إذ يُتخطَّفُ النَّاسُ مِن حَولِنَا فِي الشتاء والصيف، بينما ننعمُ نحنُ بالأمن والأمان، والرفاهيَّة والرَّخاء، في خير الأوطان.
المدينة