• ×
admin

سلام من صبا بردى أرق

سلام من صبا بردى أرق

عبدالله السعدون

التغيير هو الشيء المؤكد، والوقت يمضي، والظروف تتغير، والفرص لا تتكرر، ومحاولة العودة إلى الماضي دخول إلى نفق مظلم. وقد سنحت الفرصة لقادة سوريا لتحويلها من دولة مقسمة وغير آمنة وحكومة مستبدة إلى دولة نموذجية يسودها الأمن والعدل، دولة حديثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى..

دمشق المدينة الساحرة بجمالها وتاريخها المشرف، من أكثر المدن العربية التي تغنى بها الشعراء منذ أصبحت مقراً للخلافة الإسلامية وحتى وقتنا الحاضر. اليوم أكتب وكلي أمل وشوق ومحبة لسوريا وأهلها. هذا البلد الجميل الذي عانى من الظلم والقهر والتخلف على يد أبنائه أكثر مما عانى على يد المستعمر. فمنذ انقلاب قائد الجيش حسني الزعيم عام 1949 والإنقلابات تتوالى، متبوعة بالتصفيات الدموية. وكان أسوأها حكم حافظ الأسد وابنه بشار الذي انتهى بعد أن ترك بلداً مفلساً وجريحاً، وشعباً مشرداً وفقيراً. تركه لقوات أجنبية، ومليشيات تقاسمت أرضه وخيراته، وزرعت أجنداتها بين سكانه.

اليوم نرى ضوءاً في نهاية نفق طويل مظلم، امتد لأكثر من سبعين عاماً. هذا الضوء أو الأمل هو ما صرح به زعيم هيئة تحرير الشام أحمد الشرع في لقائه مع العربية، وما ذكر من أولويات، منها حلّ المليشيات، وبناء الدولة الوطنية لكل السوريين، والتوجه نحو التنمية والاقتصاد، وإقامة علاقات متوازنة مع جميع القوى الفاعلة على مستوى العالم. ونظرته إلى المملكة العربية السعودية، وإعجابه بالرؤية 2030 ومهندسها الأمير محمد بن سلمان. وذكرياته عن الرياض، ورغبته في التعاون مع المملكة، ووجود الكثير من الفرص النافعة للبلدين. وأنا على يقين أن المملكة لن تبخل عليه وعلى الشعب السوري، ذلك أن لديها تجارب غنية سواء في بناء الدولة وترسية الأمن والتنمية على يد المؤسس الملك عبدالعزيز رحمه الله، أو ما نشهده اليوم من نهضة علمية واقتصادية واجتماعية استطاعت أن تحول ما سمي بالصحوة إلى نهضة، ومن التركيز على العبادات فقط، إلى المعاملات والبناء، وتفتيح العقول، وتقوية السواعد. وهذا هو ما تحتاجه سوريا. والتي أرى أن من أهم أولوياتها:

أولاً: الخروج من أسر الأيديولوجيا التي برمجت العقول وكبلتها، وجعلت الولاء للجماعة والحزب على حساب الوطن. وبالأخص جماعة الإخوان المسلمين التي خرجت معظم التنظيمات الدينية المتطرفة من تحت عباءتها، والتي يحرص قادتها على أن تتولى كوادرها حقيبة التعليم بكل مراحلها لأهميتها. الخروج من هذه الأيديولوجيا سيفتح أبواباً كثيرة لبناء دولة المواطنة التي يسودها القانون بين المواطن ودولته. دولة يتساوى فيها جميع المواطنين بالحقوق والواجبات، ولتكون مصدر إلهام لكل من يعيش على أرضها. دولة ترفض التعالي على بعض مواطنيها على أسس قومية أو طائفية. وفائدة هذا التوجه لن يقتصر على سوريا، بل سيعيد توجيه البوصلة إلى التنمية في كل الدول التي ابتليت بالجماعات والأحزاب الدينية والقومية، لتحل المواطنة بدل الأيديولوجيا المكبلة للعقول وضيق الأفق.

ثانياً: "التنمية والاقتصاد" عبارة كررها الزعيم السوري أحمد الشرع في لقائه مع العربية، وهي أفضل ما يجب أن تركز عليه الحكومة السورية. فالتنمية والاقتصاد هما أهم ما يحتاجه الشعب السوري الذي ملّ الظلم والتهميش، والشعارات القومية والدينية. الاقتصاد القوي هو أساس الاستقرار وضامن القوة بكل مكوناتها. وهو بحاجة إلى الأمن أولاً. ثم التوجه بقوة نحو بناء الإنسان على أسس سليمة، وإطلاق طاقاته الكامنة، التي أهم شروط تألقها وجود الحرية، والنقد البناء، والعدل، واستقلال القضاء، ومحاربة الفساد المستشري، وإصلاح التعليم. والشرط الثاني لبناء اقتصاد قوي هو إقامة علاقات قوية مع كل الدول التي تريد الخير لسوريا، وتملك المال والخبرة، وتكوين علاقات تبنى على أساس الربح لكل الأطراف المشاركة، دون إملاءات أو احتلال، أو تدخل في النسيج الاجتماعي. وهذا يتطلب الكثير من الصبر والعمل الجاد، وتعديل القوانين القديمة المكبلة لحرية دخول الأموال وخروجها، وضمان حرية التجارة مع الدول، وسنّ قوانين جديدة تطمئن المستثمر، وتجلب المال الأجنبي والخبرة.

ثالثاً: النماذج الناجحة للتحول من الثورة إلى الدولة المزدهرة موجود على مستوى العالم كفيتنام، وراوندا، وكوريا الجنوبية. وهي دول رزقت بقادة ذوي أفق واسع، قادة استطاعوا التخلص من أسر الماضي واحتياجاته، إلى متطلبات الحاضر وأدواته، فاستبدلوا بالبندقية القلم والمنجل، وبالشعارات الرنانة العمل الدؤوب، وركزوا على البناء، وبسط نفوذ الدولة على أسس سليمة وعادلة وحازمة. وأهمها الاهتمام برأس المال البشري وما يحتاجه من تعليم وصحة وسكن وتوظيف. وإطلاق رؤية سوريا 2040 التي توجه كل جهود للتنمية لتحقيقها. رؤية تحدد الأهداف وتضع البرامج، وتستفيد من تجربة السعودية في هذا المجال، وما حققته من نجاحات على كل الأصعدة.

"لا يخطو رجل في نفس النهر مرتين" حكمة بالغة، قالها الفيلسوف اليوناني هرقليطس. فالتغيير هو الشيء المؤكد، والوقت يمضي، والظروف تتغير، والفرص لا تتكرر، ومحاولة العودة إلى الماضي دخول إلى نفق مظلم. وقد سنحت الفرصة لقادة سوريا لتحويلها من دولة مقسمة وغير آمنة، وحكومة مستبدة، إلى دولة نموذجية يسودها الأمن والعدل. دولة حديثة بكل ما تحمله الكلمة من معنى.

الرياض
بواسطة : admin
 0  0  6