• ×
admin

النوم.. لذة العدم

النوم.. لذة العدم!

د. أيمن بدر كريّم

- الإنسانُ بصفاتِهِ الفطريَّةِ، غيرُ مجبولٍ على التَّعاطِي الصحيِّ مع توترِ الإيقاعِ السَّريعِ لحياةِ العصرِ التقنيِّ الحديثِ.


لذَا، تزدادُ لديهِ فرصُ الإصابةِ بأمراضٍ نفسيَّةٍ وعضويَّةٍ واضطراباتِ نومٍ ناتجةٍ عن ضغطِ المجتمعِ وضجيجِ الحياةِ.

- النَّومُ بعد التعرُّضِ لغضبٍ أو صدمةٍ أو حزنٍ، من رحمةِ اللهِ، وسيلةٌ طبيعيَّةٌ جيدةٌ للتَّشافِي، والمساعدةِ على التَّعاملِ الصحيِّ مع الذِّكرياتِ السيئةِ والمشاعرِ السلبيَّةِ.

وباختصارٍ، النُّومُ الجيِّدُ سببٌ ونتيجةٌ للبهجةِ والسَّعادةِ.. وكمَا قِيل: إذَا لديكَ مشكلةٌ، الجأ إلى النَّومِ!.. فالنَّومُ العميقُ يعزِّزُ التئامَ الجروحِ البدنيَّةِ والنَّفسيَّةِ.. حرفيًّا!.

- وفي هذَا السِّياقِ، يقولُ (فرويد): «خلالَ النَّومِ، يفقدُ «الأنَا» في الإنسانِ صِلتهِ بالمؤثِّراتِ الخارجيَّةِ، وتحدثُ تغييراتٌ بعيدةُ المدَى في تنظيماتِ «الأنَا»، وهذهِ التنظيماتُ هي توزيعٌ معيَّنٌ للطَّاقةِ النَّفسيَّةِ».

أمَّا (ألبير كامو) فيقولُ: «في الوقتِ الحاليِّ، أرغبُ في النَّومِ فقطْ، والبقاءِ صامتًا قدرَ المُستطاعِ.. أشعرُ بالقَرَفِ من الجنسِ البشريِّ».

- إنَّ تعكُّرَ مزاجِ كثيرِينَ في الصَّباحِ الباكرِ، مردُّه أحيانًا لنقصِ النَّومِ، إضافةً إلى اضطرارِهِم للتَّعاملِ معَ مشاغلِ الصباحِ مبكِّرًا واستعجالِهِم فيهَا، فِي وقتٍ تكونُ ساعتهُم الحيويَّة -ما تزالُ- ليستْ في أحسنِ نشاطِها وكفاءتِها.

والأخطرُ، دخولُهم في نوباتِ نومٍ فجائيَّةٍ قصيرةِ الأمدِ، خلالَ فترةِ اليقظةِ؛ دونَ شعورِهِم بهَا بالضرورةِ، وهِي تزيدُ من احتمالِ فقدانِ التَّركيزِ وتشتُّتِ الانتباهِ، وخطرِ التعرُّضِ إلى حوادثِ السيَّاراتِ والعملِ، وهنَا يمكنُ إلقاءُ اللَّومِ على الحرمانِ من النَّومِ الجيِّد.

- ومن الناحيةِ النَّفسيَّةِ الوجوديَّةِ، يختصرُ النَّومُ الوقتَ الذي يقضيهِ الإنسانُ واعيًا في هذهِ الحياةِ بمعاناةٍ أقلَّ!.

فأحيانًا، تكونُ الرَّغبةُ في النَّومِ الطَّويلِ، علامةً علَى الإحساسِ المُبهمِ بعبثيَّةِ اليقظةِ!.

يقولُ (دوستويفسكي): «إنَّ في نومِ الإنسانِ لذَّةً كبيرةً لا يدركُها سِوَى القلائلِ.. إنَّ النَّومَ هُو لحظةٌ قصيرةٌ من العدمِ، لذلكَ أنَا أحبُّ أنْ أنامَ؛ لأنَّني حينهَا أكونُ لَا شيءَ!».

- يقولُ فيلسوف التَّشاؤمِ (شوبنهاور): «هذَا العالمُ يَا صديقِي مخيِّبٌ للآمالِ، مَا من تسليةٍ عظيمةٍ فيهِ إلَّا النَّوم».

لكنْ (تولستوي) يشيرُ إلى أنَّ الخلودَ للنَّومِ، وللأسفِ الشَّديدِ، ليس بهذهِ السهولةِ: «كانَ يتوقُ إلى النَّومِ، لكنَّهُ كانَ يعرفُ أنَّهُ لنْ يستطيعَ النَّومَ.. إنَّ الأفكارَ الأشدَّ سوادًا تحاصرُهُ وهُو على السَّريرِ».

المدينة
بواسطة : admin
 0  0  7