• ×
admin

إطلالة رمضان

إطلالة رمضان

د.محمد بن عبدالرحمن البشر

إطلالة شهر رمضان الكريم تحمل الكثير من المعاني، وجميل الأيام والليالي، فهو عبادة لله وامتثال لأمره، وهذه غاية المسلم ومراده، وهو مع المراد الديني في الشهر الكريم ينال الكثير من الفوائد الصحية إذا أحسن المرء الصنيع، وترك الإسراف، واكتفى بالكفاف، واختار الكمية والنوعية المناسبة التي تغذي بدنه ولا تؤذيه، وتعينه على الصوم ولا تثنيه، وقد يستعرض ما مر به في سنته السالفة، وإن شئت فقل الفارطة، كما يقول إخواننا في المغرب الشقيق، وقد يتبين له بعد حلول رمضان الجديد مزيداً من نضارته ان كان شاباً، أو تقدماً في كهولته إن كان كهلاً، والكهل سيرى عمقاً في التجاعيد أو مزيداً وتقارباً في الخطى، وثقلاً في الإصغاء، فيتذكر سالف الأحداث البعيدة، وينسى الآنية منها والقريبة، يثني على زمانه الذي مضى ويراه خير زمان، ويلوم حاضره الذي يعيشه ويعده مؤلما كالسنان، والشاب ينظر إلى ما حققه، ولا يكتفي به فيطمح أن يتجاوز من سبقه، ينظر إلى أمل يتلوه أمل حتى يصل إلى سن الكهولة فيعود أدراجه في تفكيره ويلحق بالسابقين، وهكذا حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

وفي رمضان تذكير بما قد نسيه المسلم أو تناساه من سلوك قد يكون شائناً، فيأخذ بزمام المبادرة ويثوب إلى رشده، وينصرف عن شططه ولده، فيجنح إلى الاستكانة، ويأخذ بمكارم الأخلاق، أو يتلمس الأخذ بها، فينال أكبر نصيب منها، وهي والحمد لله كثيرة، منها التسامح، وتجاوز الخطايا، والعفو عند المقدرة، والرأفة بمن تحت اليد من عمال أو عاملات، فليس المرء كاملاً حتى يحاسبهم على الكمال، فهم بشر فيهم عيوب وخطايا، ومحاسن ومزايا، فيأخذ من المزية ويدفن الزلل، ويأخذ من الإجادة فيمحو بها الخلل، فيسير الركب، وتحسن العشرة وتطيب الخواطر، وتعم السعادة على الآمر والمأمور، والرئيس والمرؤوس، والسعادة هي الغاية المنشودة، فتلمس نوالها نعمة، وأفضل طريق إليها مكارم الأخلاق، ومن أسسها التسامح.

صلة الرحم باقة أخرى من الباقات الكثيرة التي تحويها مكارم الأخلاق، ففيها تقرب إلى الله، وقيام بواجب، ورحمة وتودد، وفضيلة وسؤدد، وتقرب لقريب، وتذكر لقول يوسف عليه السلام لإخوانه لا تثريب، فهنيئا لمن رزق مالاً ليصل به، أو ينفع به، أو جاها يرفع به مظلمة لقريب، أو يحسن به للقريب والبعيد، ومن لم يؤت نصيب من ذلك، فليكن الوصل بالجسد لمن يستطيع أو التواصل عن بعد لم لا يقدر، ويكفي المرء كلمة طيبة، وابتسامة صادقة، وعبارة جميلة، وروح مرحة تدخل السرور على الصديق والقريب، يقول الشاعر:

لا خَيلَ عِندَكَ تُهديها وَلا مالُ

فَليُسعِدِ النُطقُ إِن لَم تُسعِدِ الحالُ

ومن مكارم الأخلاق اختيار الكلمات والنبرات، فيحسن المرء في رمضان اختيار كلماته، وانتقاء نبراته، فلا يستخدم كلمة جارحة، أو نبرة حادة، أو رفعا للصوت على من هو دونه مقاماً في الدنيا، وقد يكون خير منه في الآخرة، والناس عند الله سواء، ولكن الله فضل بعض الخلق على بعض في الرزق فقط بمعناه الكبير، كما أنه جعل البعض سخريا لبعض، حتى يمكن عمارة الكون كما أمر الله به، لكن ذلك التفضيل في الرزق، لا يعني تفضيلا في الذات أو النسب أو الحسب؛ فالناس عند الله سواء، وأقرب الناس إلى الله أحسنهم أخلاقا.

الجزيرة
بواسطة : admin
 0  0  6