• ×
admin

الأجواء الرمضانية في رحاب المدينة النبوية

الأجواء الرمضانية في رحاب المدينة النبوية

منى يوسف حمدان

عندما يهلُّ شهرُ رمضانَ المبارك، يحتفلُ كلُّ العالم الإسلاميِّ بقدوم هذا الشهر، ويجدِّدُونَ فيه العهدَ مع الأجواء الروحانيَّة، وليالي الرَّحمة والمغفرة والعتق من النِّيران، نهاره صيام، وليله قيام، وعلى مائدة الإفطار والسُّحور يجتمع الأهل والأرحام، والأصدقاء والأحبَّة. ولكن في المدينة المنوَّرة التي تعيش أجواءً استثنائيَّة حقيقيَّة من عمر الزَّمان، وبجوار سيِّد الأنام، قضيتُ أوَّل جمعةٍ في رحاب المسجد النبويِّ، وبجوار القبر الشَّريف، والرَّوضة الشَّريفة، وعندما أقبلتُ على منطقة الحرم، مررتُ على البقيع، فسلَّمتُ على الأموات، ودعوتُ لهم، واختصصتُ -أُمِّي وأبي- بالرَّحمات والدَّعوات، ثم دخلتُ في سكينةٍ وطمأنينةٍ، وحركةٍ انسيابيَّةٍ، وخدمات فائقة الجودة، تُقدَّم للزَّائر والمُقيم على حدٍّ سواءٍ.

الخشوع والسكينة والطمأنينة تغشى أرجاء الحرم، وما يحيط به، ورجال ونساء الأمن في كل مكان، وجودهم وطلتهم تشعرك بالفخر والاعتزاز بدولة عظيمة، كرست كل الطاقات والإمكانات البشرية والمادية لخدمة ضيوف الرحمن، فرق عمل المتطوعين والمتطوعات من الهلال الأحمر، وطلاب الجامعات، والمدارس في كل مكان استشعر مع كل واحد منهم معنى أن تكون مواطناً سعودياً تشارك في تحقيق رؤية وطن وتنفيذ توجيهات القيادة الرشيدة.

كلَّما دخلتُ للحرمِ، استشعرُ نعمةَ أنَّ الله اصطفانا لسُكنَى المدينة، واختارنا لجوار سيِّد البشر، وأترحَّمُ على جدٍّ بعيدٍ اسمه حمدان، ولعلَّ في اسمه معاني الحمد والشكر لربِّ العالمِينَ، وقد أتي من بلاد غامد؛ لتكون المدينة مسكنًا وحياةً ومدفنًا له، ولذريَّته منذ ما يقارب مئتي عام؛ فاللَّهُمَّ أوزعنا شكر نعمتك علينا، واجعل المدينة هي الملاذ لكلِّ مَن يبحث عن البركة والسكينة، والقرب من النبيِّ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وكما قال: «المَدينةُ خَيْرٌ لَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ».

عند مغادرتي للمدينة، في طريق الهجرة، أتأمَّل هذا العدد الكبير من الباصات، التي تتحرَّك باتِّجاه مسجد قباء؛ لتأدية ركعتي سُنَّة عن النبيِّ، وأُردِّدُ في نفسي: كَمْ هِي بركاتُكِ عظيمةٌ يا مدينتَي الحبيبة؛ في كلِّ مكانٍ فيكِ فضلٌ وبركةٌ، ومعلمٌ تاريخيٌّ، وأثرٌ نبويٌّ، وفرصٌ تتوالى على جموع المسلمِينَ، تحثُّهم للقدومِ إليها، وتكرار زيارتها؛ ليجدوا نفوسًا طيِّبةً من أهل المدينة تستقبلهم بكلِّ حُبٍّ وترحابٍ.

من أسعد لحظات حياتِي، تلك التي أقضيهَا مع الزوَّار وقاصدي المسجد النبويِّ، ونحنُ نتناولُ طعامَ الإفطارِ، ونتعارفُ ونرحِّبُ بهم بكلِّ بشاشةٍ، وبكلِّ كرمٍ عُرف عن أهل المدينة، الذين يتسابقُونَ في حُسن الضيافة، ليس بالوجبات فحسب، بل ببشاشة الوجهِ، وحُسن الخلقِ، وطِيب المعشرِ.

في طريقي ما بين المدينة وينبع، أعدتُ سماع بودكاست سقراط، من راديو ثمانية، مع المذيع المحاور المتألِّق عمر الجريسي، في حلقة خاصَّة عن المدينة، نُشرت بالتَّزامن مع هذا الشهر الفضيل، مع الدكتور عبدالله كابر، وهو الخبير المختصُّ في معالم وأثار وتاريخ المدينة المنوَّرة، وكان الحديثُ مليئًا بالمشاعر الوجدانيَّة عن المدينة الفاضلة، ومعاييرها الإنسانيَّة المثاليَّة، التي أسَّسها النبيُّ محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وعن الفرص الاستثماريَّة حاليًّا المتاحة وفق ما خطَّطت له قيادتنا الحكيمة، في ظلِّ رُؤية طموحة تضع نصب عينيها المدينتين المقدَّستين، وقد كتبتُ سابقًا مقالًا عن مشروعات سفن إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامَّة بعنوان: «جاورتك البهجة»، وما كتبتُه عن المشروع الجديد على خُطاه وغيرها من المشروعات الرَّائدة والإبداعيَّة المبتكرة، التي تجعل المدينة المنوَّرة اليوم بقيادة سمو الأمير سلمان بن سلطان، تعيش حِراكًا متسارعًا نحو مستقبل يليق بمكانتها الدِّينية المقدَّسة، ومكانتها في قلوبنا جميعًا، بتطوُّر في كلِّ مجالات الحياة؛ لتحقِّق المدينة أعلى المؤشرات المحليَّة والعالميَّة؛ لتكون نبراسًا لغيرها من المدن في التطوُّر الحضريِّ، ومبادرات الأنسنة للمدن الذكيَّة؛ ولتكون وجهةً لكلِّ المشتاقِين للسَّكينة والسَّعادة، ولمن ينشدُونَ معايير جودة الحياة الحقيقيَّة.. المدينة تنتظركُم وبكلِّ حبٍّ في مدينة الحُبِّ والسَّلامِ مدينة رسولِ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- الأجمل والأبهى والأكثر إشراقًا نورانيًّا، وهي سيِّدة المدن التي ترحِّب بكلِّ مَن قَدِم إليها بحُبٍّ.

المدينة
بواسطة : admin
 0  0  5