• ×
admin

مشروع تقنية الصحراء ومستقبل الطاقة المتجددة للمملكة

مشروع تقنية الصحراء ومستقبل الطاقة المتجددة للمملكة


د. سامي سعيد حبيب

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (الصدقة برهان)، والحديث الشريف يستفاد منه الكثير الكثير من الفوائد العظيمة من بينها أن الإنسان يضع ماله حيث يعتقد ويوقن بالمردود الواعد، وهذا المفهوم النبوي الكريم وإن كان في أصله إيمانياً متعلقاً بالغيبيات ورجاء أجر الآخرة إلا أن منطقه ينطبق أيضاً على دنيا الناس في تخصيص الأموال في الاستثمار في المستقبل، فعندما تقوم 12 شركة من كبريات شركات الاتحاد الأوربي بالتوقيع على اتفاقية للاستثمار في أكبر مشروع عالمي للطاقة المتجددة وأكثرها طموحاً على مستوى العالم الذي أطلق عليه تقنية الصحراء Desertec وتخصص مبلغ 400 مليار يورولحصاد الطاقة الشمسية من صحارى شمال أفريقيا من أجل تزويد أوربا بقرابة 15% من احتياجاتها من الطاقة بحلول عام 2050م ويخفف كثيراً من تلوث الجوبأوربا، وتزويد دول الشمال الأفريقي حيث يتم حصاد الطاقة الشمسية بالماء، والشرق الأوسط (لعل المعني بذلك تزويد الكيان الصهيوني بالماء والكهرباء)، فإن مشروعاً بهذه الضخامة الذي يضعه العديد من الخبراء في مصاف إنجاز الولايات المتحدة الأمريكية في إهباط الإنسان على سطح القمر في نهاية الستينيات من القرن الماضي، إن مشروعاً بهذا الحجم وهذه الطموحات يقول الكثير عن قناعات خبراء الطاقة العالميين لاسيما الأوربيين منهم عن أي مجالات الطاقة المتجددة البديلة هي الأجدى والأجدر بالاستثمار. والأهم في تقديري أنه يشكل أنموذجاً يحتذى للمملكة العربية السعودية في توفير الأمن المائي والغذائي ضمانة لزمن قادم يبدوأنه سوف يشح فيه إنتاج الغذاء العالمي لدرجة قد لا تستطيع فيه الدول غير الزراعية الحصول على كفايتها من الغذاء مهما بذلت من مال.
المشروع على أهميته التقنية والاقتصادية البالغة لا يشكل آخر الصيحات في عالم تقنيات الخلايا الشمسية المعززة بتقنيات النانوعالية الكفاءة بل يعتمد على تقنيب بسيطة نسبياً وثابتة الفعالية ومستخدمة في ولاية كاليفورنيا الأمريكية منذ ثمانينات القرن الماضي كما إن ثلاث محطات توليد طاقة كهربية منها تبنى حالياً بأسبانيا، تعتمد التقنية على تركيز الطاقة الشمسية بواسطة مرايا مجمعة وتسلط الأشعة المتجمعة على غلايات ماء على شكل أبراج يتم فيها تبخير الماء لبخار وتحميص البخار إلى 800 درجة مأوية، ومن ثم يستخدم البخار المحمص في تحريك مولدات الكهرباء البخارية التقليدية وفي تحلية المياه ويتم نقل الكهرباء إلى أوربا عبر كابلات بحرية، ويقتصر دور تقنيات النانوفي هذه المنظومة على طلاء الغلايات لضمان: الامتصاص الأكفأ لأشعة الشمس المركزة من قبل الغلايات والتوصيل الحراري الأمثل بجدران الغلايات وكذلك التحكم في الصدأ.
ثمة توجه عالمي ربما كان الأقوى بالنسبة للطاقة المتجددة ألا وهوتوليدها بواسطة الخلايا الشمسية المعززة بالتقنيات متناهية الصغر النانوالأساس فيه هوالارتقاء بأداء الخلايا الشمسية التقليدية من كفاءتها الحالية التي لا تتخطى 23% إلى كفاءة عالية جداً يتوقع أن تصل إلى 75%، على أن تتمتع الخلايا الشمسية النانية بعدد من المزايا على رأسها الكفاءة العالية كما أسلفنا، والبساطة النسبية في تركيب وصناعة تلك الخلايا الشمسية، والمرونة العالية التي تضارع مرونة أوراق الشجر التي هي نوع من أنواع الخلايا الشمسية كي يتمكن المستفيدون من تشكيلها بسهولة على مختلف الأسطح، وأخيراً وليس بآخر أن تكون تكلفة صناعتها وتشغيلها منافسة اقتصادياً بحيث تكون قيمة الكيلوات/ساعة المنتجة أقل من قيمة إنتاجها بالطرق التقليدية، ضمن هذا الإطار نجح اليابانيون في تطوير خلايا شمسية معززة بتقنيات النانوبلغت كفاءتها 55% لكن هذا التوجه لا يزال في مراحله التطويرية ويحتاج لعدد من السنين قد تصل للخمس سنوات.
من مؤشرات جدية التوجة العالمي للطاقة المتجددة تأسيس الوكالة العالمية للطاقة المتجددة IRENA في شهر يناير الماضي من هذا العام 2009م، والتي بلغت عضويتها 136 دولة وتم الأسبوع الماضي اختيار مدينة أبوظبي مقراً لها وتختيار مدينة بون الألمانية مقراً لمكتب إيرينا للابتكارات والتقنيات الخاصة بالطاقة المتجددة وتم تخصيص ميزانية سنوية أولية لها قدرها 25 مليون يورو.
بالنسبة للمملكة العربية السعودية تشكل كل من تقنيات النانو والطاقة المتجددة مجتمعتين المستقبل الحقيقي للأمن المائي والأمن الغذائي والمصدر الرئيس للطاقة على مدى العقود القادمة المتوعدة بمزيد من شح الموارد المائية والغذائية وبزيادات كبيرة في التعداد السكاني العالمي والوطني، فمرحلياً يمكن اعتماد تصميم جميع محطات التحلية الجديدة بالمملكة بناءً على تقنيات الطاقة الشمسية الحرارية ثابتة الكفاءة لإنتاج الماء والكهرباء تماماً كما في مشروع تقنية الصحراء المشار إليه في بداية المقال، وبذلك تتخلص المملكة من أحد أكبر مصادر تلوث الهواء بالمدن الساحلية كما تتخلص من الكيميائيات كحمض الكبريتيك وغيره التي تقتل الحياة الريفية البحرية في محيط محطات التحلية التي تلجأ لاستخدام تلك الكيميائيات في تقنيات التبخير الوميضي متعدد المراحل المستخدم حالياً في محطات التحلية بالمملكة، إلى حين تستطيع المملكة تطوير الخلايا الشمسية المعززة بتقنية النانومن ناحية ومرشحات أوأغشية التناضح العكسي ذات الكفاءة المعتمدة على الأنابيب الكربونية النانية الحجم عالية الكفاءة والإنتاجية ومنخفضة التكاليف على مستويات ثلاث كبرى لمحطات التحلية ومتوسطة للمجمعات الصناعية والاستخدامات الزراعية وصغرى على مستوى البيوت والمجمعات السكنية وبذلك تحقق المملكة العديد من الأهداف الاقتصادية إي جانب ضمان الأمن المائي والغذائي دفعة واحدة بما في ذلك تحويل نسبة أكبر من زيتها الخام لصناعات تحويلية مما يعود على الأقل بأربعة أضعاف الدخل فيما لو تم بيعه كزيت خام فقط.

المصدر: صحيفة المدينة
بواسطة : admin
 0  0  1767