السرطان لم يعد لغزاً محيراً
السرطان لم يعد لغزاً محيراً
مشاعل طه
بعد النظر في نتائج الفحوصات ثبت أنك مصاب بالسرطان.. قالها الطبيب وفي عينيه نظرة العطف لمريضه المستلقي أمامه.
فنهض المريض مصعوقا وهو يبتلع ريقه من الهلع وصاح..... بماذا؟.. بالسرطان.. كيف؟.. كلا..
مرت لحظات الصدمة كأنها دهر.... وتلبس الدنيا ثوبها الحالك السواد لحظة تلقي الخبر.. إنه الخبيث القاتل .. ترى ماذا سيفعل وهل سيموت وكيف سينقل الخبر للعائلة؟
إن مجرد ذكر السرطان يعطل تفكيرنا ويهز كياننا كمجتمع تسيره المشاعر غالبا.. وتبدأ مرحلة الانتقال من مجرد إصابة بالسرطان إلى داء الاكتئاب والقنوط من رحمة الله عند البعض الآخر.
انقطع عمن حوله من الناس لينفرد بنفسه.. فإذا بنفسه تخنقه فيفر منها وإذا حل المساء ازداد فزعا، فإن داعب النوم عينيه، أفاق ممتلئا بالخوف المرعب من أن تغادر روحه جسده.. فأمسى حتى لا يطيق النوم.
وتمر الأيام متشابهة لأنه حرّم على نفسه كل شيء واستسلم للمرض، فخارت قواه.
قال الله تعالى: (إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً إِلاَّ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاَتِهِمْ دَآئِمُونَ)..المعارج
فلو استعمل المريض دواء الإيمان بقضاء الله وقدره لوجد في الطمأنينة أنسا، و لهدأت نفسه، ولو علم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه.. لأيقن أن ما أصابه ما هو إلا امتحان لصبره فتغدو نفسه مشرقة بالرضا.
فالسرطان كان منذ القدم كغيره من الأمراض الفتاكة التي حصدت الكثير من الأرواح آنذاك، ولكن خوف الناس أدى إلى عدم معرفة ماهية السرطان والجهل في طبيعته.
فقدماء المصريين شخصوه من ضمن الأمراض حيث عثر على مخطوطات كتبت منذ ما قبل الميلاد وورد فيها أوصاف لحالات سرطانية كانت توصف بالتقرحات و كانت وسيلتهم في العلاج هي الكي.
ثم جاء عهد قدماء الإغريقيين حيث ظهر أبقراط (أبو الطب) فكان أول من أطلق اسم السرطان على الأورام لأنه لاحظ أن الأوعية الدموية تتشبث بالورم كما يتشبث السرطان البحري بفريسته.
وظل أبقراط مؤمنا بان السرطان داء لا يمكن الشفاء منه لأنه رأى بأنه يتشبث بجسم المريض وأجهزة جسمه حتى يفارق الحياة.
وظلت تلك النظرية مسيطرة لآلاف السنين حتى ظهر ابن سينا الذي خالف أبقراط في الرأي حيث قال بان «السرطان إذا استؤصل في أول أعراضه شفي المريض منه».
ومع تقدم العلم واجتهاد العلماء في أبحاثهم وجدوا أن خواص الورم تختلف باختلاف النسيج الخلوي الذي تظهر فيه تبعا لتنوع أجهزة الجسم المختلفة والأعضاء التابعة لها.
فنواة كل خلية تحتوي على جزيء الحامض النووي DNA الذي يحمل جينات تتحكم بالمهام الحيوية في الخلية.
من هذه الجينات نوعان لهما علاقة بنشوء الأورام فالأول هو الجين المثبط لانقسام الخلية، والثاني هو الجين المحفز لانقسام الخلية. فوجد انه بسبب الخلل في وظيفة الجين المثبط حدثت انقسامات متعددة في الخلية بدون توقف، بينما زيادة النشاط في انقسامات الخلية كان بسبب خلل في وظيفة الجين المحفز. فكان لزاما علينا للقضاء على هذه الأورام أن نسارع في الأخذ بأسباب العلاج المختلفة كالجراحة، والأشعة، ثم العلاج الكيميائي أو الهرموني، حيث كان الهدف من تلك الطرق العلاجية التأثير على التكوين الجيني للخلايا غير الطبيعية في نموها وإعاقة نموها وانقساماتها وتكاثرها إلى أن يتم القضاء عليها حسب مرحلة المرض بإذن الله.
المصدر: صحيفة الرياض