صيف استثنائي
صيف استثنائي
حمود البدر
قطعا لا يعلم الغيب إلا الله سبحانه. ولكن مع ذلك يستطيع الإنسان في ضوء الظواهر الكونية والتجارب البشرية أن يتنبأ ببعض الحوادث. وقد تصدق هذه النبوءة وقد تفشل. ولكن يظل الإنسان تلميذا للعوامل الزمانية والمكانية التي تعلمه ما قد يفيده أو يضره. وقد يستفيد (أو لنقل يتعلم) بعض التصرفات التي تكون وسيلة لتنغيص عيشته، وحتى هلاكه بفعل أساء فهمه.
في صيفنا هذا تجمعت عدة عوامل (إذا قارناها بما عشناه من قبل) تعد غريبة عن تجاربنا المحدودة.
ففي هذا الصيف عشنا ولا زلنا نعيش عوامل جوية لم نعهدها بهذا الشكل والكثافة. فقد تأتي عاصفة ترابية مرة أو مرتين في العام الواحد وقد تزيد قليلا عن ذلك. لكننا في هذا الموسم عشنا هذه العواصف المتتالية يوما بعد يوم وأسبوعا بعد الآخر. ولا زالت ـ حسب التنبؤات ـ تتوالى.. ومما نعانيه من مثل هذه العواصف التأثير على الجهاز التنفسي للمرء وبخاصة من لديهم حساسية لمثل هذا الغبار الذي تختلف كثافته، ومدة بقائه بين ظهرانينا وجيوبنا الأنفية، مما يجعل البعض يفكر في الهرب من هذه الأجواء وإلى أماكن تكون طبيعتها الجوية مغايرة لما عشناه ونعيشه بخصائصه التي تعودنا عليها من حيث الجفاف والحرارة. حيث أن الغبار يزيد من معاناتنا خلال الصيف بالذات.
من جانب آخر ورد إلينا كما يرد إلى غيرنا غزو شرس أثر على معظم دول العالم وأجواء القارات. ذلكم هو وباء (انفلونزا الخنازير) الذي بدأ في المكسيك ثم غزا دول العالم. وكنا نظن أننا بعيدون عنه لأن مجتمعنا يكره الخنازير وديننا يحرمها علينا، لكن حكمة الله ومقاديره غيرت حقيقة الوضع، فقد أصبحنا ـ مثل غيرنا ـ نفاجأ بهذا السائح القادم من دولة مصابة بتلك البلوى أو بحاج، أو معتمر، أو بواحد من أفراد هذه العائلة أو تلك هرب من الحر والجفاف ليعود بما هو أسوأ (انفلونزا الخنازير).
نتيجة لذلك صار الواحد منا يوازن بين هذا العامل (موجات الغبار المتكررة) وذاك الوباء (انفلونزا الخنازير) ليختار (إن كان حكيما) أيهما أقل ضررا فيحاول حماية نفسه وأهله وجيرانه، وقد يتوانى فيجلب معه ما لم يحسب له حسابا.
فمن حيث العوامل الجوية التي اتسم بها صيف هذا العام يرى خبراء الأحوال الجوية، ومراكز الرصد الجوي أن هذه العوامل سوف تستمر، وقد تبقى طوال الصيف وجزءا من فصل الخريف. ولذا فقد يقول هذا أو ذاك دعني أهرب من هذه العواصف إلى جبال فيها ثلوج، أو أماكن فيها أنهار وغابات لأتمتع بها (واللي يصير يصير) كما يقول المثل الإتكالي الشائع. ثم يفاجأ بعد وصوله (إلى ما اختار الهروب إليه) بأنه التقط عدوى الخنازير وهي ملعونة خلال خلوها من هذا الوباء فكيف بها وقد أصبحت وسيلة نقل للعدوى التي تهرب منها جاره وابن عمه أو أخوه وفضلوا الأجواء المشبعة بالغبار على تلك الأجواء المشبعة بوباء الخنازير. فيعودون إلى من بقي في محيطه هربا منها ليراها تأتي إليه من خلال أحيائه أو أحدهم.
أثناء كتابة هذا المقال قرأت في صحف اليوم (الثلاثاء) أن إحدى المدارس الأجنبية في الرياض جرى إغلاقها لانتشار عدوى انفلونزا الخنازير لأن بعض طلابها نقلوا العدوى من خلال أقاربهم الذين عادوا من رحلة صيفية إلى بلدهم الذي تنتشر فيه هذه الحمى.
على كل حال، فإن الوقاية خير من العلاج وهذا مبدأ إسلامي مهم. وقد عبر عنه حبيبنا محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام عندما نصح أحد الصحابة بأن يعقل راحلته ويتوكل. أي يجمع بين الأخذ بأساليب الوقاية من الأخطاء ويعتمد على القدرة الإلهية في أن يتوكل على الله بعد أن يأخذ بالأسباب.
من ضمن العوامل التي أدت إلى وصف هذا الصيف بأنه استثنائي تجمع عدد من الإجازات لتستهلكها الإجازة الصيفية، وهذا ما يراه البعض مناسبا ومريحا لاستثمار الإجازة الطويلة في مشروع نافع أو هروب سياحي، لكنه لا يضمن أن يكون تمتعه ـ بسبب العوامل الأخرى ـ بناء لتطلعاته الصحية (جسديا ونفسيا) أشد ضررا مما حاول تفاديه.
على أي حال فإن الأمر بيد الله. ولكننا مأمورون بأن نأخذ بأسباب الحيطة والوقاية. فالله سبحانه علمنا سبيل الوصول إلى النجدين: إما الخير أو الشر. وهدفنا النجدان، وفي ضوء الإفراط أو التفريط يكون المصير المؤلم، أما إذا أخذنا بالوسطية المباحة فذلك هو المطلوب.
المصدر: صحيفة عكاظ