نقص أو زيادة النوم هل يسببان الوفاة
نقص أو زيادة النوم هل يسببان الوفاة!
نتائج الأبحاث الحديثة المتواترة تظهر أهمية الحصول على نوم كافٍ من أجل صحة أفضل وخاصة للأطفال
نتائج الأبحاث الحديثة المتواترة تظهر أهمية الحصول على نوم كافٍ من أجل صحة أفضل وخاصة للأطفال
أ. د. أحمد سالم باهمام
تناقلت وكالات الأنباء باهتمام نتائج دراسة حديثة قام بها علماء بريطانيون وإيطاليون ونشرت في مجلة النوم (المجلة الرسمية للأكاديمية الأمريكية لطب النوم) هذا الشهر (مايو 2010). وقد رصد الباحثون نتائج 16 دراسة علمية درست علاقة مدة النوم بالوفاة وشملت حوالي 1.4 مليون شخص. وقد أظهرت الدراسة أن الأشخاص الذين يحصلون بشكل منتظم على قسط من النوم أقل من ست ساعات يوميا يكونون معرضين بنسبة 12 بالمائة لاحتمال الوفاة بعد سن ال 25 سنة، وذلك مقارنة بأولئك الذين يمضون فترات \"مثالية\" من النوم تتراوح ما بين ست وثماني ساعات في الليلة الواحدة. كما أظهرت الدراسة علاقة بين النوم لمدة تتجاوز التسع ساعات يوميا أو أكثر والموت المبكر، على الرغم من أن النوم الزائد قد يكون مجرَّد مؤشر على اعتلال الصحة. وهذه النتائج ليست جديدة فقد نشرت دراسة مماثلة في مجلة أبحاث طب النوم (المجلة الرسمية للجمعية الأوروبية لأبحاث النوم) عام 2009. والعلماء والمختصون في طب النوم يرقبون هذه الظاهرة منذ سنوات. وقد وردتني أسئلة من عدد من القراء تتساءل عن هذه الدراسة وهل نقص أو زيادة النوم يسببان الوفاة؟
في البداية لابد من أن نوجز باختصار عن كيفية فهم وتحليل هذا النوع من الدراسات البحثية والتي تعرف بالدراسات المقطعية. هذا النوع من الدراسات يظهر وجود علاقة بين متغيرين ولكن لا يثبت أن أحدهما يسبب الآخر. بمعنى أن مثل هذه الدراسات لا تثبت أن نقص أو زيادة النوم يسببان الوفاة ولكن الدراسة تبين أن احتمال الوفاة يكون أكبر عند الذين ينامون أقل من 6 ساعات أو أكثر من 9 ساعات. هذا النوع من الدراسات قد يغفل الكثير من الأسباب والأمراض التي قد تسبب نقص أو زيادة النوم وتزيد من احتمال الوفاة مثل أمراض القلب أو الأعضاء الحيوية الأخرى أو توقف التنفس أثناء النوم وغيرها خاصة وأن علاقة زيادة ساعات النوم واحتمال الوفاة كانت أكبر عند كبار السن الذين تجاوزوا 65 سنة وهذا الفئة العمرية يكون في العادة لديها الكثير من الأمراض التي تزيد من ساعات النوم وتزيد احتمال الوفاة في نفس الوقت.
وفي هذا السياق لابد من مناقشة تأثير نقص أو زيادة النوم على الصحة بشكل عام. ولكن قبل ذلك لا بد من الإجابة على هذا السؤال: ما عدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان الطبيعي؟ يتفاوت عدد ساعات النوم التي يحتاجها الإنسان الطبيعي تفاوتاً كبيراً من شخص إلى آخر. ولكن المؤكد أن عدد الساعات التي يحتاجها نفس الشخص تكون ثابتة دائماً. فبالرغم من أن الإنسان قد ينام في إحدى الليالي أكثر من ليلة أخرى إلى عدد الساعات التي ينامها الشخص خلال أسبوع أو شهر تكون عادة ثابتة. وأكثر الأشخاص ينامون من 7-8 ساعات يومياً. وهذا الرقم هو متوسط عدد الساعات لدى أغلب الناس ولكنه لا يعني بالضرورة أن كل إنسان يحتاج ذلك العدد من الساعات. فنوم الإنسان يتراوح بين أقل من ثلاث ساعات لدى البعض إلى أكثر من 10 ساعات لدى البعض الآخر.
أما بالنسبة لتأثير زيادة ساعات النوم على الصحة فإن هذا الموضوع لم يدرس بشكل دقيق ولكن من المعلوم أن بعض الأمراض التي تؤثر على الصحة العامة تسبب زيادة النوم مثل أمراض القلب واضطرابات التنفس والغدد والأمراض العصبية وكذلك بعض الأدوية مثل الأدوية النفسية. أما علاقة نقص ساعات النوم بالصحة فقد درست بشكل أكبر. فنقص النوم يؤثر سلبا على الصحة على أكثر من مستوى. وسنتعرض في هذا المقال باختصار لبعض التأثيرات السلبية المثبتة الناتجة عن نقص ساعات النوم. النوم ضروري لكل وظائف الجسم. فنقص النوم ينتج عنه نقص في التركيز والذاكرة وبطء في ردة الفعل واتخاذ القرارات الصحيحة، كما أنه يسبب زيادة النعاس في النهار وتعكر المزاج ولكننا في هذا المقال سنتعرض للتأثيرات الصحية العضوية التي قد تؤثر على صحة الإنسان لكي نظل في سياق نتائج الدراسة الحديثة التي بدأنا بها مقالنا.
التأثير على الهرمونات ووظائف الغدد الصماء:
يسبب السهر ونقص النوم اختلالا في إفراز الكثير من الهرمونات المهمة ويفقد الجسم القدرة التنظيمية والإيقاع اليومي لإفراز الهرمونات. ومن الهرمونات التي تتأثر: الكورتيزول والأدرينالين وهرمون النمو المهم جدا للجسم حيث إنه مهم لنمو الأطفال ومهم لإصلاح وتكاثر الخلايا عند الكبار كما أن السهر يؤثر على الهرمونات الجنسية. وقد يزيد نقص النوم من مقاومة الجسم للأنسولين وبالذات عند مرضى السكر مما يؤدي على ارتفاع مستوى الجلوكوز في الدم. وثبت حديثا أن نقص النوم المزمن يزيد الوزن لأسباب كثيرة منها ما يتعلق بالهرمونات مثل هرموني اللبتين والغريلين. وهذا الأمر مهم جدا بالنسبة للأطفال والشباب فعلى الوالدين مراقبة ذلك. فقد أظهرت نتائج بحث ميداني على طلاب الثانوية في إحدى الولايات الأمريكية ونشر في مجلة النوم والتنفس، أن 90% من طلاب الثانوي ينامون اقل من ثماني ساعات في اليوم و19% ينامون أقل من 6 ساعات يوميا. وخلصت نتائج الدراسة إلى وجود علاقة قوية بين الإكثار من شرب القهوة ونقص عدد ساعات النوم من جهة وزيادة الوزن من جهة أخرى. فقد وجد الباحثون أن احتمال السمنة عند الطلاب الذين ينامون اقل من خمس ساعات يوميا كان 8.5 أضعاف احتمال زيادة الوزن عند الطلاب الذين ناموا أكثر من 8 ساعات. في حين كانت الاحتمالات الأخرى 2.8 ضعف للذين ينامون 5- 7 ساعات و 1.3 للذين ينامون 7- 8 ساعات. لذلك نقول، إذا أردتم أوزانا مثالية فاحصلوا على نوم مثالي.
التأثير على الجهاز المناعي:
تظهر الأبحاث الحديثة أن السهر ونقص النوم قد ينتج عنها ضعف في الجهاز المناعي وقدرة الخلايا المناعية على التعامل مع الأجسام الغريبة والميكروبات. ويعتقد المختصون أن نقص النوم يزيد من احتمالات الإصابة بنزلات البرد. وقد أثبتت دراسة علمية نشرت في مجلة أرشيفات الطب الباطني (يناير 2009) هذا الاعتقاد. فقد درس الباحثون عدد ساعات نوم 153 متطوعاً لمدة أسبوعين متتاليين. بعد ذلك تم عزل المتطوعين في غرف خاصة وتم تعريضهم لفيروس الزكام (Rhinovirus) عن طريق وضع نقط في الأنف. وخلال الخمسة الأيام التالية، راقب الباحثون ظهور أعراض الزكام عند المتطوعين وكذلك قياس الأجسام المضادة ضد الفيروس في الدم وزراعة إفرازات الأنف. النتائج أتت مثيرة جدا حيث وجد الباحثون أن النوم لساعات اقل يزيد احتمال الإصابة بالزكام. حيث أظهرت النتائج أن الإصابة بالزكام كانت أعلى بثلاث مرات عند الذين ناموا أقل من سبع ساعات مقارنة بالذين ناموا ثماني ساعات أو أكثر.
الجهاز التنفسي والدوري:
عند المصابين بمشاكل التنفس المزمنة فد يزيد السهر من ظهور بعض الأعراض. وقد أظهرت الأبحاث أن توقف التنفس أثناء النوم يزداد عند المصابين بالشخير عند السهر أو الإجهاد. أما بالنسبة للقلب والجهاز الدوري فإن بعض الدلائل تشير إلى أن السهر قد يرفع ضغط الدم. كما أن السهر قد يؤثر مباشرة على القلب، فقد فحصت فرق طبية من جامعتي ووريك وجامعة كوليدج لندن البريطانيتين أنماط النوم لدى عشرة آلاف و308 موظفين حكوميين وقارنوها بمعدلات الوفاة. ووجد الباحثون تضاعفا لخطر مرض القلب بين الذين قلصوا ساعات نومهم من سبع ساعات إلى خمس في الليلة، أو الذين زادوا عدد ساعات نومهم عن ثماني ساعات، مقارنة بالذين التزموا بسبع ساعات كل ليلة. نتائج الأبحاث الحديثة المتواترة تظهر أهمية الحصول على نوم كافٍ للحصول على صحة جيدة وخاصة للأطفال. وأحب أن أنوه هنا أن الشباب في سن 15-25 سنة قد يحتاجون ساعات نوم أكثر وهذا معروف طبيا ولا داعي لقلق الآباء إلا إن كان لديهم أعراض أخرى مثل زيادة النعاس طوال اليوم أو الشخير.
ويمكن أن أوجز هنا أن الاعتدال في النوم أمر مطلوب ولكني أختم بالقول إن الأبحاث الحالية لا يمكن الاستنتاج منها أن نقص أو زيادة النوم يسببان الوفاة.
المصدر: صحيفة الرياض