فسيولوجية الأنف والجيوب الأنفية
فسيولوجية الأنف والجيوب الأنفية
أ. د. عبدالعزيز عاشور
يحتل الأنف مركزاً رئيسياً في الوجه فيزيده جمالا على جمال وكمالا على كمال أو يزيده قبحاً على قبح أو بشاعة على بشاعة ، كثيراً ما كتب الشعراء عن الأنف - الأنف الصغير، الأنف النحيف ،الأنف الواقف . إذا شكل الأنف له تأثير كبير جداً على جمال الوجه وخاصة أنه يحتل مركزاً متميزاً في الوجه تبرز صورته كل ما نظر الناظر إلى الشخص. كل هذه الأهمية هي قليل من كثير- فكيف لوعلم كل هؤلاء المعجبون والمتغزلون بالأنف أن وظيفة الأنف هي أكثر إعجازاً في أدائها وهي التي يجب أن تستحق كل هذا المدح والإطراء - عضو صغير مثل هذا يقوم بوظائف تعجز عنها كل الأجهزة المعقدة والتكنولوجيا المتطورة - أليس هذا إعجازاً يستحق السجود لله الخالق العظيم الذى أحسن كل شيء خلقه؟
هذا الأنف الصغير الجميل يستطيع :
أن ينقي مئات اللترات من الهواء من الأتربة والغبار والملوثات العالقة به في ثوان قليلة وقبل أن يصل الهواء إلى الرئة(عليك أن تحسب المسافة بين الأنف والرئة).
والأكثر إعجازاً أن الأنف قادر على أن يدفئ هذه اللترات من الهواء البارد إلى درجات حرارة عالية قبل أن يصل إلى الرئة( وإلاّ لأصبنا بالتهاب رئوي).
ليس هذا فقط بل يرطبه ليصل الرئة هواء نقياً ، دافئاً رطباً مريحاً للصدر والجسم .
يا إلهي كيف هذا ممكناً سبحانك ؟ خلقت فأبدعت .
أتعلمون لماذا وضع الأنف أعلى الفم ؟ وليس في أي مكان آخر من الرأس ؟
وضع هناك لنشم كل شيء قبل أن نأكله، قبل أن نضعه في فمنا وقبل أن نبلعه - فإن كان الأكل فاسداً أو ذا رائحة كريهة رفضناه ولفظناه وأخرجناه من فمنا قبل أن يدخل جسمنا ويمرضنا ويسممنا, ماأعظم رحمة ربنا بنا - حماية متناهية من رب رحيم بنا حتى لا نمرض - فأي عظمة بعد هذه العظمة وأي رحمة بعد هذه الرحمة.
بالأنف نحن نشم - في أعلى جزء من الأنف هناك عشرات الآلاف من الخلايا العصبية المسؤولة عن الشم - تمكننا من الشم .
ما أهمية الشم لدى الأنسان ؟
عن طريق الشم - نستمتع بكل ما أحل الله لنا من طعام وشراب كما قال تعالى كلوا من طيبات مارزقناكم)، إن الأكل والشرب من أكبر المتع التي من الله بها علينا - فما هي الحياة بدون متعة الأكل والشرب- ولكن لا يمكن التمتع بهذه النعم المتنوعة والتلذذ بها بدون حاسة شم سليمة, لأن لكل أكلة مهما كان نوعها سواء كانت فاكهة أو نبتة أو خضرة رائحة خاصة بها - وهذه الرائحة تنفذ إلى الأنف قبل وصول اللقمة إلى الفم أوعندما تكون اللقمة في الفم فنتمتع بهذه الأكلة ونتلذذ بنكهتها وطعمها ، وبدون هذه الحاسة يبقى كل شيء ذو طعم واحد - كله خيار أو بطيخ - وهناك مثل يقولكله عند العرب بطيخ) يقال هذا المثل لشخص غير مذواق .
والوظيفة الثانية لهذه الحاسة - هي أنها تعمل كجهاز إنذارمبكر عند تسرب غازات سامة أوعند بداية حريق في مكان ما وغير ذلك، فتنذرنا مبكراً أو تنبهنا بأن شيئا خطيرا هناك فنتخذ كل إجراءات السلامة .
والوظيفة الثالثة أنها تساعدنا للحفاظ إلى العلاقة الجنسية بين الرجل وزوجه والعلاقات الأسرية بين الطفل وأمه والأخوة بين بعضم لأن كل إنسان خلق برائحة خاصة به تميزه عن الآخرين.
ماذا عن الجيوب الأنفية؟
تتكون الجيوب الأنفية من ثلاثة جيوب مزدوجة على كل جانب:
(الجبينية ،الوجنية والصفيحية) وجيب واحد منفرد (التحت نخامية)،مبطنة بغشاء مخاطي ناعم- تفرز ما يقارب اللتر الواحد يومياً - تصب كلها في الأنف عبر قنوات خاصة . عادة ما تكون الجيوب الأنفية مليئة بالهواء ويكون الضغط داخل الجيوب الأنفية مساوياً للضغط الخارجي .
ماهي إذا وظائف الجيوب الأنفية؟
هي تلك الغرف التي تعطي الوجه جماله وشكله وتناسقه وشخصيته- فهي التي تشكل تلك الجبهة العريضة والوجنتين البارزتين والأنف المستقيم والعينين الواسعتين والحاجبين العريضين والفم والأسنان الحلويين وغيره وغيره (انظر إلى وجه القرد حتى تعرف الفرق وتحمد الله على ما من به عليك من شكل جميل) كما قال تعالى:»الذي خلقك فسواك فعدلك، في أي صورة ماشاء ركبك»
هذه الغرف المهواة تخفف إلى حد كبير من وزن الرأس وتجعله أكثر حركة ومرونة ووزناً يمكن حمله .
هذه الغرف المهواة تحمي الرأس وما يحويه من أعضاء هامة وحيوية وأولها المخ وغيره(على ضوء ذلك ثم اختراع المخدات الهوائية في السيارات!!)وخاصة عند الحوادث والاصطدامات المختلفة.
هذا اللعاب الذي يفرز بهذه الكميات الكبيرة يلعب دوراً كبيراً في ترطيب وتليين وغسل الأنف والبلعوم الأنفي والبلعوم والمريئ حتى تتمكن كل هذه القنوات من القيام بواجبها على أكمل وجه .
هذه الغرف الهوائية تلعب دوراً كبيراً في إعطاء الصوت صبغة خاصة ، إعطائه خصوصية فردية ،فأنت تستطيع أن تتعرف على الشخص عن طريق هذه الخصوصية في الصوت وهذا مهم جداً للتعارف بين البشر وبين الأفراد وبين أعضاء الأسرة الواحدة, ألا ترى أنك حينما تصاب بزكمة يتغير صوتك وتفقد هذه الخصوصية بحيث لا يتعرف عليك حتى أقرب الناس إليك .
إذاً أيها القارئ الكريم لم يخلق الله شيئاً عبثاً - سبحانه فلكل شيء حكمة ، وهي آيات للعبرة والتذكير وحتى لا ننسى شكر الله كما قال تعالى: « وفي أنفسكم أفلا تبصرون».
له الحمد والشكر والمنة
المصدر: صحيفة اليوم