التميّز الوظيفي
التميّز الوظيفي
د. عبدالعزيز عبدالله القحطاني
يفترض في الأساس أن يكون كل موظف متميزاً في عمله، لكن هناك عوامل تهيئ للموظفين التميّز في أعمالهم، وفي المقابل هناك أسباب وسلوكيات وظيفية تحد من التميّز الوظيفي. فبيئة العمل النقية تساعد على تركيز الموظفين في أداء أعمالهم بجدية لتحقيق الإنتاجية الطموحة المتميزة. لكن كثرة المشكلات تعكر صفو مناخ العمل فينشغل الموظفون بالتفكير في تلك المشكلات اليومية التي تستحوذ على جل اهتمامهم، وتنشغل الإدارة أيضاً في معالجة تلك المشكلات، والنتيجة أن التفكير في المشكلات أصبح أساسياً، والاهتمام بالعمل ثانوياً، ويصبح مفهوم التميّز خارج الإطار!.
فالموظف الإيجابي الذي يتقن عمله ويؤديه بدقة وإخلاص وفي الوقت المحدد سيكتسب الخبرة والسرعة في الإنجاز ومن ثم سيصل إلى التميز إذا وضعه ضمن أهدافه. واتقان العمل مطلب ديني كما حث عليه نبينا صلى الله عليه وسلم في قوله (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه). ولابد أن يدرك الموظف أن من أساسيات إتقان العمل هو (جودة) العمل بدون أخطاء. لأن تعريف الجودة حسب مفهوم إدارة الجودة الشاملة بأنه (أداء العمل من أول مرة وكل مرة بدون أخطاء). وأيضاً يضاف إلى إنجاز الأعمال المرتبطة بمصالح الناس أنها ذات مطلب اجتماعي إنساني. فمن واجبات الموظف ألاّ يتأخر في إنهاء المعاملات وأن يتجرد من الأهواء الشخصية. ويعتبر تأخير المعاملات التي تتسبب في ضرر لمصالح المراجعين مسئولية مشتركة يتحملها الموظف والادارة. ومن الخبرة في الميدان أن الموظف المتميز لا يستطيع الاستمرار في العطاء والتميز إلا إذا توافرت مقومات بيئة العمل النقية المحفزة. فالعلاقات الانسانية في محيط العمل تعزز الثقة والود والتعاون المتبادل بين الموظفين لتحقيق زيادة الانتاجية، وترفع معنويات الموظفين. وبالمثل فإن العلاقات الوظيفية السلبية الناتجة عن سلوكيات خاطئة مثل النفاق الوظيفي، الغيبة والنميمة، الغيرة المهنية، أساليب التحرش، سوء العلاقات الشخصية، التركيز على الذكاء الفني واغفال الذكاء الاجتماعي، كل هذه الأساليب تصيب مناخ العمل بالتلوث السلوكي الأخلاقي الفكري الذي يحول أماكن العمل إلى ساحات ضيقة وميادين وعرة تهيمن عليها الفتن الوظيفية والمشكلات المتشابكة ولا وجود للعمل الوظيفي الأساسي، ناهيك عن التميز! والنوع الآخر هو الصداقات أو ما يسمى بالعلاقات غير الرسمية بين الموظفين التي تعتمد على الصدق والأمانة والمحافظة على بيئة العمل، والاحترام المتبادل والتعاون الوظيفي.
وقد تكون نوعية الادارة من أحد العوامل التي تعمل ضد مفهوم التميز الوظيفي. فتصيّد الادارة لأخطاء الموظفين قد يشجعهم ذلك على تدني الانتاج لتحاشي الوقوع في الأخطاء. بينما في الواقع أن من يخطئ هو من يعمل كثيراً. إن المدير الناجح هو الذي يلاحظ قدرات الموظفين وأساليب حلهم لمشكلات العمل، ويحفزهم دائماً على الأداء المتميز ولو بالثناء بكلمة (شكراً) طالما أنها لا تكلف شيئاً!!
والخلاصة أن المدير الذي يرغب في ترسيخ ثقافة التميّز والابداع الوظيفي في الأداء ونوعية الانتاج، عليه أن يتبع أساليب التحفيز المتميزة. ويجب عليه فتح قنوات الاتصال والتواصل الأفقي مع جميع الموظفين من باب إتاحة حرية التعبير للموظفين ووصول اقتراحاتهم للادارة دون حواجز أو (فلترة) للآراء والاقتراحات من الرئيس المباشر! ومن الضرورة أن يهتم المدير بحل مشكلات الموظفين وتلبية مطالبهم واحتياجاتهم، للحد من التسرب الوظيفي عندما يضطر الموظفون المتميزون إلى الانتقال إلى مؤسسات أخرى تستطيع استيعاب قدراتهم وامكانياتهم الوظيفية المتميزة في بيئة عمل جديدة.
المصدر: صحيفة اليوم