الصداقة
الصداقة
شريفة الشملان
ذاك الرابط الذي قد يقترب من دقات القلب .
تلك الأخوة التي تتوالد دون لحم ودم ، إنما هي أرواح تتلاقى لتبقى ، هي لله في الله . تلك الصداقات التي قد تمر وقد تبقى ثابتة في الأنفس.
كثيرا ما نقف لنتذكر صداقاتنا ، وكثيرا ما نرى كم من صديق مر وكم من صديق نشتاقه ، وكم مر من صديق لم نعد نتذكر ملامحه ، وكم من صديق سبقنا لدار الآخرة . وبقيت ذكراه تعبق في أنفسنا . وكم من كان صديقا مر لم نأسف عليه كثيرا أسفنا كيف خُدعنا به.
عندما نفتح دفتر أفكارنا وتتقاطر ذكرياتنا ، ترتسم ابتسامات الفرح أو ربما تقطيبة تذكّرنا ببعض المتاعب .
أظن الصداقة كما حياة الإنسان تمر بأطوار ، صداقات الطفولة هي الصداقات التي تشبه الطفولة جميلة وعفوية وصادقة ، تتجذر كما النبتة وربما كما النخلة ، ولكن الزمن ليس دائما في صالح هذا النوع من الصداقات ، نكبر وتتغير مشاربنا وظروفنا وسفرنا ، نلتقي أو لا نلتقي . صداقات الطفولة هي الصداقات التي عندما نتذكرها نتذكر معها صغائرنا وحكاياتنا ، وضحكة مرت ومقالب مررنا بها أو صنعناها ونتندر بها. ومعها ايضا نتذكر أصالة أيامنا السابقة ، حكايات المدرسة والحارة والشارع .
صداقات المراهقة تشبه المراهقة نفسها ، متقلبة مزاجية وأحيانا تكون صداقات تتحكمها رغبة التملك ، كثيرا ما تكون صداقات شللية . وخاصة للصبية ، لكن البنات وإن كانت شللية إلا أن هناك بعض الصداقات الثنائية ، وغالبا الفتيات تستمر معهن هذه للثانوية ومن ثم الجامعة ، ولكن بعدها تبدأ جوا آخر وهو جو العمل والزواج وما يحتمله من تغييرات بالمواعيد وتكوين الأسرة .. عموما ما بقي منها صداقات جادة تتكئ على بعضها .. وكثير من الشباب والبنات يبدأون صداقات جديدة بحكم الدراسة أو السفر .
الصداقات الجديدة بعد ذلك هي صداقات قد تكون الأكثر نضجا والأكثر رؤية وخاصة مع تبلور المفهوم الذهني والثقافي وتكون خبرات حياتية تتراكم مع الأيام.وتكون خبرات تبادلية إن صح التعبير . وقد تكون تمازجا جيدا خاصة عندما نكوّن صداقات مع مجتمعات أخرى ، وثقافات أخرى .. وهنا تنحو الصداقات لتأخذ الشكل العقلاني .
نعود لصداقات الطفولة وهي إن استمرت حتى الوصول للشباب والكهولة هذه تكون الصداقات الأنقى ، خاصة وأنها تسمّد دائما بالمحبة ودحر الغيرة إلا الغيرة الإيجابية وهي غيرة التسابق للعلم والتعلم والمثابرة بالعمل .
قد تشيخ الصداقات كما يشيخ الإنسان وقد يصيبها الخرف ، ولكن كثيرا ما نجد مجموعة من الشيوخ أو العجائز يتضاحكون بمنتهى الحبور والجمال ، هم أصدقاء منذ نعومة أظافرهم حتى جفافها ، ودودون مع بعض ، سارت دورة حياتهم مع بعض .ونمت وثبتت كما ثبت الله الجبال .ما أن يسقط أحدهم ليحمل على الأكتاف حتى تتساقط عبراتهم ، ولا نجد إلا أن نتمنى لهم جنة عرضها السموات والأرض .
المصدر: صحيفة الرياض