• ×
admin

مرضى السكري... لمَ تعيشون في الظلام؟

مرضى السكري... لمَ تعيشون في الظلام؟


د. عصام مهدي الحارثي

كنت كغيري - وهم كثير- أتساءل مالضرر في أن أكون ذا دم سكري -على غرار التمر السكري - حلو وغيري حامض وهل حقاً هناك ضرر من ذلك يوازي هذا الاهتمام الطبي بهذا المرض وهل من الممكن أن يؤدي مرض السكري الى الاصابة بإعاقة عمل أحد أعضاء الجسم كالعين مثلاً ليعيش الانسان بقية حياته في الظلام الحسي المترتب على ظلام المعرفة.

لست بصدد الحديث عن مرض السكري وأسبابه وأعراضه وطرق علاجه فهذا حديث آخر لكني سأحدثكم عن أثر من آثاره السيئة على جزء مهم وغالٍ وهو العين.؟

أثبتت العديد من الدراسات التأثير المباشر لارتفاع نسبة السكر في الدم على شبكية العين ذلك الجزء الذي يحوي الخلايا الحساسة للابصار داخل العين.
بالاضافه لشبكية العين يؤدي الاصابة بداء السكري وارتفاع نسبة السكر في الدم لفترات طويلة الى زيادة احتمال الاصابة بالماء الازرق وهو ارتفاع ضغط العين الذي يؤدي إلى إتلاف العصب البصري تدريجياً وكما هو حال جميع الخلايا العصبية في الجسم فإن ما تلف منها لا يتجدد ولا يتبدل وهذا يجعل ما يذهب من الابصار بسبب الماء الازرق لايعود أبداً، كما أن داء السكري يؤدي الى خلل في إفرازات الخلايا الدمعية وهو يؤدي بدوره الى حدوث الجفاف السريع لقرنية العين والملتحمة وبالذات في المناخ الجاف كالاجواء الصحراوية مما يزيد من احتمالات تقرح قرنية العين والاصابة بمرض عتامة القرنية الذي يقلل من حدة الإبصار.

وداء السكري يقلل الاحساس في قرنية العين وهو بدوره يقلل نسبة السيالات العصبية الارتدادية الى الغدة الدمعية مما يؤدي الى تقليل إفرازات الدموع.

ويؤدي داء السكري الى زيادة احتمال الاصابة بالماء الابيض وسرعة حدوثه في سن مبكرة نسبياً في الأفراد المصابين بالسكري ويحدث داء السكري خللاً في حجم عدسة العين وقدرتها على رؤية الأشياء القريبة كالقراءة مثلاً وهذا يؤدي الى زغللة النظر وتشويش وضبابية في الرؤية وهذا غالباً يكون مع الارتفاع أو الانخفاض السريع لمستوى السكر في الدم.

وداء السكري يؤثر على العصب البصري ويؤدي الى حدوث جلطة في الاوعية المغذية للعصب وهذا بدوره يؤدي الى خفض النظر بشكل كبير وحاد ومفاجئ.

وكما هو معلوم بأن داء السكري يضعف نسبياً مناعة الجسم ضد البكتيريا والفطريات وهذا يزيد من نسبة احتمال الاصابة بالالتهابات المعدية في جميع أجزاء العين المعرضة لذلك، إذن داء السكري لا يترك خلية ولا نسيجا من أنسجة العين إلا ويؤثر على أدائها ووظيفتها وبما أن العين جزء حساس جداً ومتابعة وظائفها تتم عن طريق متابعة النظر فأي خلل في الوظائف سيؤثر سريعا على مستوى النظر ويشعر المريض بأن شيئاً ما أثر على النظر فيذهب الى طبيب العيون ليكون طبيب العيون أول من يكتشف إصابة المريض بداء السكري في بعض الحالات.

وعود على بدء وهو تأثير داء السكري على شبكية العين وهو أهم هذه التأثيرات وأشدها خطراً لما له من آثار سلبية على النظر تؤدي في النهاية الى العمى التام لكن في المقابل إذا تم اكتشافها مبكراً وتم علاجها يستطيع أخصائي شبكية العين في معظم من الحالات أن يحافظ على مستوى طبيعي من النظر.

يؤدي ارتفاع السكر في الدم الى تكون حويصلات في شبكية العين وتبدأ بترشيح السوائل داخل نسيج شبكية العين مما يؤدي الى ضعف السيالات العصبية بين خلايا الشبكية مما يضعف النظر، ويتم علاج هذه الحالات عند اكتشافها مبكراً بالليزر «البارد» اللذي يغلق هذه الحويصلات ثم يتم امتصاص هذه السوائل من الخلايا المجاورة لها ويعود نسيج الشبكية الى وضعه الطبيعي ويتحسن نظر العين أو يستقر على مستواه ولا يضعف اكثر من ذلك.

وقد ظهرت في الآونة الاخيرة طرق علاج أخرى في علاج هذا الترشيح في طبقات الشبكية مثل حقن الكورتزون داخل الجسم الزجاجي ليساعد خلايا الشبكية على امتصاص هذه السوائل أو إزالة الجسم الزجاجي للمساعدة في زيادة نسبة الأكسجين داخل خلايا الشبكية.

وقد يؤدي داء السكري الى نمو أوعية دموية غير طبيعية على سطح الشبكية وهذه الاوعية لها جدران هشة وضعيفة بما يجعلها تنزف بسهولة مع حركة العين الطبيعية أو حركة الجسم.

وعند حدوث النزيف يتدهور النظر سريعا وهذا غالبا ما يجعل المريض يلجأ الى طبيب العيون للمساعدة لكن للأسف هذه مرحلة متقدمة من تأثير السكري على الشبكية وكان من الممكن علاج الشبكية بالليزر «الحار» الذي يؤدي الى ضمور هذه الاوعية الدموية ومنع حدوث النزيف قبل ذلك.

عند حدوث النزيف من الممكن علاج الشبكية بالليزر في بعض الحالات أو التدخل الجراحي بإزالة النزيف وعلاج الشبكية بالليزر لاستعادة ما يمكن استدراكه من بقايا الابصار لكن في بعض الحالات يكون التحسن بسيطا ولا يلبي رغبات المرضى ولكن هذا بسبب التأخير في مراجعة استشاري الشبكية مما ترك المجال مفتوحا لداء السكري ليقتل الكثير من خلايا الابصار التي كما أسلفت لا تتبدل ولا تتجدد.

القصص التي تمر بنا يوميا في عيادة العيون قصص مأساوية تشعرك بالأسى والحزن على هؤلاء المرضى الذين أصبحوا بين عشية وضحاها يعيشون في الظلام ولايبصرون شيئا وكان من الممكن الا يكونوا كذلك لو أنهم اهتموا بعيونهم وقبل ذلك بصحتهم وتعايشوا مع داء السكري بشكل صحيح والتزموا بنصائح وإرشادات الاطباء.

وغالبا ما تتزامن مضاعفات السكر على الشبكية مع مضاعفات الكلى والقدمين فلك أن تتخيل عندما يأتيك مريض لايبصر ومبتورة إحدى قدميه أو كلاهما بالإضافة الى الغسيل الاسبوعي للدم للتخلص من السموم التي في الدم التي لم تعد الكليتين تخرجها خارج الجسم مع البول، كل هذه المضاعفات مجتمعة تجعل المريض يعيش وضعا صحياً ونفسياً سيئاً جداً بالإضافة الى تأثير ذلك على أبنائه وزوجته وأقاربه وأصدقائه.

جاءني مريض مصاب بالسكر منذ أربعين سنة فتوقعت أن تكون عيناه في أسوء حال واذا بهما في أحسن حال ولا يوجد أي تأثير للسكري على عينيه فسألته كيف فقال أنا منذ أخبرني الاطباء بإصابتي بالسكري من أربعين سنة قد غيرت نظام حياتي وغذائي كاملاً ليتلاءم مع وضعي الصحي الجديد بالاضافة الى الالتزام بكمية العلاج وأوقاته ولم أحد عن ذلك قيد أنملة وكان هذا المريض شيخاً وزعيماً في قومه فقلت له لا عجب أن تتزعم قومك بعد أن تزعمت نفسك.

والآن هل علمتم أحبتي لماذا يعيش بعض مرضى السكري في الظلام، أسأل الله ألا تكونوا منهم.

المصدر: صحيفة الرياض
بواسطة : admin
 0  0  2651