• ×
admin

الحياة بعد المنصب

الحياة بعد المنصب!


د. محمد بن محمد الحربي

يصادف هذا الشهر إحالة ما يقرب من ثمانية وعشرين ألف موظف وموظفة للتقاعد، إما نظاما، أو تقاعدا مبكرا. وعلى الرغم من أن التقاعد عن العمل أمر لا مفر منه، إلا أنه يعد مشكلة حقيقة تؤرق أذهان بعض من يعشقون العمل، ويتشبثون بالوظيفة إلى آخر رمق!
ويرى أحد استشاريي الصحة النفسية أن الناس لا يرحبون عادة بمرحلة التقاعد، حيث يعتبرها الكثيرون نقطة تحول تتابع فيها أنواع مختلفة من الخسائر يترتب بعضها على بعض؛ فالخسارة المادية تحدث نتيجة لنقص الدخل الذي يحصل عليه المتقاعد مقارنة بدخله أيام العمل، ويترتب على ذلك أيضا خسارة النفوذ الذي كان يستمده من وظيفته ومنصبه؛ فبعد أن كان صاحب هيبة لدى مرؤوسيه لم يعد هناك من يعبأ به بعد التقاعد!
ونتيجة لذلك، يصاحب مرحلة ما بعد التقاعد أعراض ومشاعر سلبية، وقد تنتهي حياة البعض بعد التقاعد، فيصابون باليأس والاكتئاب، والأمراض الجسدية المختلفة التي لم يكن يعانون منها وهم على رأس العمل، وهو ما يمكن أن يطلق عليها متلازمة التقاعد (Retirement Syndrome). وقد يعود ذلك لما تعودوا عليه من النشاط والحركة، ومظاهر التقدير والهالة التي كانت تحيط بهم جراء مناصبهم، وهو ما افتقدوه بنهاية عملهم وإحالتهم للتقاعد.
ويمكن القول إن المتقاعدين ممن كانوا يشغلون مناصب إدارية مؤثرة في مختلف الوزارات والمؤسسات الحكومية، هم أكثر من تتأثر حياتهم جذريا بعد تركهم لمناصبهم، ويدخل كثيرون منهم ـ بغير اختيارهم ـ دائرة النسيان والتجاهل من المحيطين بهم، في زمن أصبح الوفاء فيه عملة نادرة.
وبعد التقاعد وترك المنصب، تقل مظاهر الترحيب والدعوات الخاصة من معظم المحيطين بك، وينساك أو يتناساك زملاء العمل، وينقطع رنين أجهزة الاتصالات بمختلف أنواعها، وهي التي كانت لا تهدأ بمناسبة وبغير مناسبة، وقد تشك بأن أجهزة المحمول، أو الهاتف متعطلة، وتتفقدها من حين لآخر لأنك لم تعد تسمع لها صوتا منذ حفل توديعك بمناسبة تقاعدك!
وفي مثل هذه الظروف، فإن المنطق يفرض التخطيط لمرحلة ما بعد التقاعد، والاستمتاع بها، والتعامل معها على أنها بداية لحياة حقيقية جديدة، وليست النهاية.
إن هناك جوانب إيجابية، وحسنات عديدة لمرحلة ما بعد التقاعد، لعل من أبرزها إعادة تنظيم كثير من أمور الحياة، وزيادة المخزون الثقافي بالقراءة، والتعرف على حضارات الوطن والعالم، وتوثيق العلاقات الاجتماعية وأواصر المودة، من منطلق الواجب الديني والاجتماعي، و بعيدا عن مجاملات المناصب.
والأهم أن الحياة بعد التقاعد ستكشف معادن المحيطين بأصحاب المناصب، ممن يقدمون مصالحهم الشخصية على مصلحة الوطن والمواطن!

المصدر: صحيفة عكاظ
بواسطة : admin
 0  0  1283