• ×
admin

الدور الايجابي للإعلام في نشر الأبحاث الطبية

الدور الايجابي للإعلام في نشر الأبحاث الطبية


د. أسامة الخطيب

أتلقى يوميا العديد من الاستفسارات حول ما يكتب وينشر ويقال عن الكثير من الأبحاث الطبية ونتائجها التي دائما ما ترعب وتقلق القراء والمرضى الذين لا يعملون في المجال الطبي ومن أمثلة ما يكتب بشكل دائم على سبيل المثال ..
لا أريد تناول احد أنواع حبوب السكر لأنني قرأت أنها تسبب جلطة قلبية.
امتنعت عن دواء هشاشة العظام لأنه يسبب نزيف اللثة.
توقفت عن أخذ الأسبرين لأنه ليس له قيمة للحماية من أمراض القلب.
تناول الأنسولين يسبب السرطان لذلك توقفت عن أخذ حقن الأنسولين.
هذه نماذج لبعض التعليقات التي تردني يوميا من الجمهور وقد عُرِض حديثا على إحدى الفضائيات الإعلامية حلقة تناولت أضرار أحد أنواع الأنسولين قدمها إعلامي مشهور ليس له علاقة بالطب وقد أسهب في شرح وعرض التقارير والأبحاث الطبية المتعلقة بأحد أنواع الأنسولين وانه يتسبب في حدوث سرطان مما جعل عدداً من مصابي السكري يمتنعون عن تناوله بسبب هذه الحلقة. وهنا أشير إلى دور الإعلام القوي وقدرته على التأثير على العامة ولكن أشير إلى سلبية هذا الجهاز بجعل إعلامي قدير يفتي في أمراض تحتاج إلى خبرات طبية طويلة ودراسات كثيرة من اجل الإفتاء، ولكن الإعلامي سلط الضوء باستخدام تقنية السبق الصحفي دون أي احتساب للعواقب الوخيمة على المرضى. وقد لا أكون مبالغا إذا تلقيت أكثر من 50 اتصالا بعد هذا البرنامج مباشرة.
نُشر في العام الماضي دراسة طبية (Accord) ضمت أكثر من عشرة آلاف مريض سكري وجاءت خلاصتها «أن معالجة مرض السكر بطريقة محكمة للوصول الأمثل إلى قراءات تكاد تكون طبيعية للسكر ، قد تؤدي إلى زيادة التعرض لأمراض القلب» . وقد أدى هذا إلى جدل كبير وتسبب في شكوك طبية بين اختصاصيي القلب وأطباء السكر والغدد. وقد طلب مني التعليق حول هذه الدراسة في مجلة غدّد اليوم ( Endocrine Today ) وكتبت انه علينا الانتظار لتفسير النتائج بطريقة أفضل وأدق، وعلقت آنذاك إن علاج مرض السكر بصورة محكمة قد لا يؤدي بالضرورة إلى انخفاض ملموس لأمراض القلب. وبعد أكثر من ستة أشهر علق الاتحاد الأمريكي والأوروبي لجمعيات مرض السكر بأن هذه الدراسة ليست سلبية على الرغم من عدم انخفاض معدل الإصابة بأمراض الجلطة والقلب وأوضحت الجمعيتان أن الأطباء لا يعالجون أرقاما بل مرضى وأن كل مريض يحتاج الى وصفة وخطة علاج خاصة به. وهذا ما خفي على الإعلام الذي كان يركز على مانشيت قوي ليتم تداوله بينما نركز نحن الأطباء على الإنسان بطبيعته وخصوصيته كل على حدة.
إن تفسير التجارب الطبية الحديثة غالبا ما يكون معقدا أو ربما تحديا لكثير من الأطباء لهذا لا أستغرب بعض التفسيرات الخاطئة من قبل بعض وسائل الإعلام . هناك مشكلة كبيرة عند الصحافة والإعلام وربما يلعبان دورا سلبيا في كثير من الأحيان عند تناولهما عرض نتائج الأبحاث والتجارب الطبية. اسمحوا لي ان أقول ان الخوف بل الاضطرابات التي يشكو منها المرضى قد يكون سببها السبق الصحفي في كثير من الأحيان بل ان الإعلام قد يعرض سلبيات التجارب والأبحاث الطبية أكثر من الجانب الايجابي لكثير من الاختراعات الطبية. ولأكون أكثر دقة وعلى سبيل المثال إذا كانت هناك دراسة ما قد أوضحت ان هنالك سلبيات لعلاج ما تعادل 0,001 % للأشخاص الذين لا يتعاطون هذا العقار بينما تكون النسبة عند الذين يتناولون هذا العقار هي 0,002 % لنفس العقار وهذا مؤشر من الناحية الطبية يعتبر مقبولا وطبيعيا نوعا ما، ولكن من الناحية الإحصائية ولغة الأرقام والإعلام تعتبر ان النسبة مضاعفة وهنا مربط الفرس. وهذا يعطي تفسيرا خاطئا جدا إذا نوقش على مستوى الإعلام بهذا المنطق . وهنا أود توضيح مدى أهمية رأي الطبيب الاختصاصي في شرح وبيان أي دراسة خاصة بعقار ما للمريض، دون أي تشويش إعلامي قد يبرز الدراسة بأسلوب سلبي وتؤدي بالتالي إلى آثار سلبية دون أي إلمام كامل من الكاتب للجوانب الايجابية للعقار .
ولسوء الحظ وفي كثير من الأحيان لا يعطي الطبيب الوقت الكافي للمريض لشرح وبيان العلاج له. ولكن على المريض ان يناقش الطبيب حول خطة العلاج مع العلم بكل السلبيات والايجابيات قبل تعاطي الدواء.
إن دور الإعلام في نشر التقارير والأبحاث الطبية وتسليط الضوء على كل ما هو حديث وجديد في الطب من ناحية الأمراض والأدوية وطرق العلاج مطلب أساسي ويساهم في زيادة التوعية الصحية وخصوصا طرق الوقاية وطرق العلاج وطب المجتمع . وان المتصفح للجرائد الأوروبية والأمريكية ليذهل من المساحات الكبيرة المتاحة لنشر كل ما يتعلق بطب المجتمع والوقاية الصحية .
ربما هذا يكون نداء لإعلامنا بأن يمنحوا طب المجتمع المزيد من الصفحات والتغطيات الصحفية لما فيه الفائدة المرجوة للجميع.
وقفة أخيرة ، ان ما يحتاجه المريض هو إعطاء الطبيب الوقت الكافي له لشرح المرض وطرق علاجه بشكل صحيح وشامل للمريض بعيدا عما يحدث الآن ، نود إلغاء فكرة أن يكون المريض آلة تستقبل الدواء ولا الطبيب وسيلة لإعطاء الدواء , وبمعنى آخر نسعى لإنجاح علاقة الطبيب مع المريض.

المصدر: صحيفة اليوم
بواسطة : admin
 0  0  1754