• ×
admin

رجل لا يتكرر

رجل لا يتكرر ..


عزيزة المانع

يا عالم الغيب، ذنبي أنت تعرفه
وأنت تعلم إعلاني، وإسراري
وأنت أدرى بإيمان مننت به
عليّ، ما خدشته كل أوزاري
أحببت لقياك، حسن الظن يشفع لي
أيرتجى العفو إلا عند غفار؟
رحم الله غازي القصيبي وأسكنه فسيح جنته. لقد كان رجلا نادرا، لا يتكرر مثله. وفاة القصيبي لم تكن مفاجئة فقد ظل لفترة طويلة يصارع المرض المفترس، لكني، مع ذلك، شعرت بصدمة وأنا أتلقى خبر نعيه، أكاد لا أصدق أن تأتي النهاية بهذه السرعة، في لحظات! تحول ذلك العملاق الشامخ إلى جمود وبرود وغياب! غلبني الذهول، كيف لمن كان رمزا للقوة في مختلف صورها المادية والمعنوية، أن يغيب في مثل لمح البصر مثله مثل أي رجل عادي!
ويهمس الناس: أمر الله، حكمته،،، مصيرنا الموت، هذا درب من خلقوا ما أقصر هذه الحياة وما أسرع ما نصل إلى النهاية، تلك النهاية التي تلتقي عندها كل الطرق، وتصب في قاعها كل الجداول، وتتجه نحوها كل الخطى، تلك النهاية التي تتمثل فيها الحقيقة الوحيدة في هذه الدنيا حيث لا أحد يملك تغيير خط سيره، ولا أحد يملك رفض اللقاء، فلا عملاق ينجو، ولا مفكر يسام، ولا فنان يفلت، ولا ذا مال محتم بماله ولا ذا سلطة بذابة عنه سلطته، ولا ذا جاه بمتق لها بجاهه، الجميع مساق إليها يلتقمه فاهها بلا فرق، وهي منتصبة صامدة لاتشبع ولا تتعب ولا تمل.
إن كان ثمة اختلاف بين الناس، فهو في نوع الحياة التي يعيشونها قبل أن يبلغوا تلك النهاية الموحدة التي يتشاركون فيها. هناك بين الناس من يكون مروره بهذه الحياة عابرا، يحل بها ويرحل عنها لم يسمع عنه أحد ولم ينتفع به أحد، فوجوده وغيابه سواء. وهناك من الناس من تخلد حياته في هذه الدنيا بما يحدثه من تغيير وما يتركه من أثر، فيغيب عنها ولا يغيب، ويختفي ولا تختفي آثاره.
وآثار الرجال إذا تناهت
إلى التاريخ خير الحاكمينا
غازي القصيبي، رحمه الله كان من القلائل الذين تناهت آثارهم إلى التاريخ فحكم لها بالخلود، فلم يغادروا دنياهم إلا بعد أن أخذوا من فمها ثناء وتركوا في مسامعها طنينا. كان رجلا نادرا يغبطه كثيرون على تعدد مواهبه، وتوقد نشاطه، وتأجج حماسته. رحمه الله وغفر له وجزاه خيرا بكل عمل طيب قدمه لوطنه وأمته.

المصدر: صحيفة عكاظ
بواسطة : admin
 0  0  1199