تنابلة السلطان
تنابلة السلطان
محمد صادق دياب
من ضروب جلد الذات والقسوة عليها مطالبة الشاعر الفلسطيني هلال الفارع تسجيل «التنبلة» كوباء عربي في منظمة الصحة العالمية، ودعوته كل شخص إلى أن يتفحص رأسه ليتأكد من خلوه من مرض «التنبلة»، وفي ظني أن «التنبلة» سمة يمكن أن يتصف بها بعض العرب، وليس كلهم، حالهم حال غيرهم من الأمم، فلكل مجتمع فروقاته الفردية داخل نسيج مكوناته، ومما يدعم براءة العرب من أصل«التنبلة» أن الكلمة دخيلة على لغتهم، إذ يشير الدكتور حسن النجار ـ في موقع الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب ـ إلى أن «التنبلة» كلمة تركية الأصل تعني الكسل والخمول والتواكل. وهذه الكلمة تذكرنا بالمصطلح الشعبي «تنابلة السلطان»، وله قصة تستحق أن تروى، إذ يقال إن أحد السلاطين العثمانيين أمر بإنشاء دار للعجزة والمسنين، وخصص مبلغا للصرف على تلك الدار، لكن تلك الدار خرجت عن مسارها وأهدافها، وغدت ملجأ لكل كسلان، يجد فيها المأكل والمشرب والمأوى، فغضب السلطان حينما تكشفت له أحوال الدار، وأمر بمعاقبة مدعي العجز بإغراقهم في النهر، وفي الطريق إلى النهر أراد رجل من أهل الخير أن ينقذ هؤلاء الكسالى من الموت، فأخبر الجنود أن لديه مزرعة كبيرة لتربية الأبقار، تتوفر فيها الكثير من المياه، ويجلب إليها يوميا الكثير من الخبز اليابس من فضلات البيوت، ويمكن لهؤلاء أن يعيشوا في المزرعة، ويعتمدوا في طعامهم على تناول العيش اليابس بعد نقعه في الماء، وسمع التنابلة الحوار الذي يجري بين فاعل الخير والجنود، فسألوا فاعل الخير عمن سيتولى أمر نقع الخبز في الماء، فقال: «أنتم»، حينها صاح كبيرهم يستحث الجند بالإسراع إلى النهر لإغراقهم تنفيذا لأوامر السلطان. وفي إحدى العواصم العربية ثمة سوق تقدم فيها الخضروات مقطعة ومغسولة وجاهزة للطبخ، ومن أجل ذلك أطلق على السوق اسم «سوق التنابلة»، وزبائنها في الغالب من النساء الكسولات، أو النساء العاملات اللاتي لا يجدن الوقت لتقطيع الخضروات وتجهيزها. ولا يمكن الحديث عن الكسالى دون استحضار داعية الكسل اللذيذ الروائي المصري ألبير قصيري الذي كتب أعماله بالفرنسية، فهو يمجد الكسل والبطالة ويراهما على درجة كبيرة من الضرورة للتفكير، وأشار الزميل حسونة المصباحي في كتابته عن ذلك الرجل الغريب إلى أنه يعيش حالة تطبيق واقعي لأفكاره، فهو لا يستيقظ من نومه إلا ظهرا مهما كان الأمر الذي يفترض فعله صباحا، حتى أنه رفض أن يتسلم جائزة أدبية مهمة في الصباح إن لم يتم تأجيل موعد تسليم الجائزة إلى الظهر، وأذعن الوزير الفرنسي احتراما لذلك الكسل اللذيذ، وقد بلغ كسل ذلك الأديب أنه ظل يقيم في غرفة واحدة في أحد الفنادق لمدة 64 عاما لأنه يشعر بالكسل أن يجمع أغراضه ويرحل إلى مكان آخر. وبذلك أصل ألبير قصيري لـ«التنبلة»، وجعل منها قضية تستحق التأمل.
المصدر: صحيفة الشرق الأوسط