طب النانو.. حقيقة أم خيال
طب النانو.. حقيقة أم خيال
د. خالد بن محمد الغامدي
نسمع هذه الأيام كثيراً عن تقنية النانو. فما هو المقصود بذلك وهل هناك تطبيقات طبية لهذه التقنية؟
النانو متر هو جزء من المليون من المليمتر (جزء من المليار من المتر) ويمكن تجاوزاً تسميتها تقنية الجزئيات متناهية الصغر وسندرك صغر حجم النانو إذا عرفنا أن سمك شعرة من جسم الإنسان يساوي خمسين ألف نانو متر!
وتقنية النانو هي تطبيق علمي حديث يتولى تجميع المكونات الأساسية للأشياء لإنتاج هذه الأشياء بنفس الصورة السابقة أو بصورة مختلفة. وما دامت كل المواد مكونة من ذرات متراصة حسب ترتيب محدد فإننا نظرياً نستطيع أخذ أي ذرة ورصها إلى جانب ذرات أخرى بطريقة مختلفة عما هي عليه أصلاً لنحصل على مادة مختلفة تماما». وبذلك نستطيع (ولو نظرياً) صنع كل شيء ومن أي شيء تقريباً.
وللنانو استخدامات عديدة في الصناعة لكن هناك أيضا استخدامات واعدة في المجال الطبي. وقد توجهت دول عديدة إلى دعم النانو بقوة فمثلاً دعمت الولايات المتحدة النانو بخطط خمسية بدأت عام 2005م، كما أنها تصرف سنويا مايقارب 4 بلايين دولار على أبحاث النانو، ومن جهة أخرى يوجد مايقارب 130 مشروعا دوائيا مهتما بتقنية النانو وفقا لاحصائية صدرت عام 2006م. وأما عن استخداماته بشكل عام في المجال الطبي فتشمل: الصناعات الدوائية والتصوير الطبي التشخيصي وعلاج أو إصلاح الأضرار الخلوية وبعض التطبيقات الجلدية.
ولكون جزئيات النانو متناهية الصغر فيمكن إيصال الدواء ليس للأنسجة المريضة فحسب بل للخلايا المصابة وبدقة كبيرة، أي أن اختراق الدواء يتحسن بصورة كبيرة، كما أنها تفيد في التقليل من الأعراض الجانبية للدواء لأنها تتعامل مباشرة مع الخلايا المريضة فقط وبذلك تقل الأعراض الجانبية والتي قد تحصل من وصول الدواء إلى أجزاء أخرى لم يكن علاجها مقصوداً. وتستخدم كذلك جزئيات النانو في صبغات الأشعة الطبية بحيث تصل للأماكن المطلوب تشخيصها بدقة وترتبط بها مما يجعل أمر التصوير التشخيصي أكثر وضوحاً. وقد تستخدم كذلك في علاج السرطان حيث تصل جزئيات النانو إلى الخلايا السرطانية وتتمركز فيها ومن ثم يتم تسخينها عن طريق موجات تردد معينة Radiofrequency مما يؤدي إلى قتل خلايا السرطان دون الإضرار بالخلايا الطبيعية المجاورة. وإذا أثبتت هذه التقنية فاعليتها وامانها فقد تغني في المستقبل عن العلاج الكيماوي أو الإشعاعي والتي لها أعراض جانبية كثيرة.
كما قد تستخدم تقنية النانو في تشخيص بعض الأمراض الميكروبية بحيث تلتصق جزئيات النانو بأجسام مضادة تذهب لتلتحم بالميكروبات داخل الجسم وبعد ذلك يمكن التقاط إشارات من جزئيات النانو لتشخيص الإصابة بهذا الميكروب أو ذاك. كما يمكن أن تستخدم في عمل لحام الأوعية الدموية بعد قطعها بدون الحاجة للخياطة الجراحية المعتادة. وتستخدم تقنية النانو فعلياً في الواقيات الشمسية مثل التيتانيوم دايو كسايد والذي يعتبر من أنجح الواقيات الشمسية لكن مشكلته تكوين طبقة بيضاء ظاهرة على الجلد مما يجعل الكثيرين يحجمون عن استخدامه لكن مع النانو أصبح لا يظهر له لون (أي أصبح شفافاً) بسبب الصغر المتناهي لحجم الجزئيات مع احتفاظه بالفاعلية العالية.
كما أن هناك تطبيقات محتملة للنانو في هندسة الأنسجة وذلك لتحفيز تكاثر أو إصلاح بعض الأنسجة المريضة والتي قد تغني في المستقبل عن زراعة بعض الأعضاء.
والخيال العلمي للباحثين في مجال طب النانو لا يقف عند حدَ فهم يتشوقون إلى اليوم الذي يمكن فيه معالجة الجلطات الدموية عن طريق جهاز نانو صغير (روبوت) يتم حقنه عن طريق الأوعية الدموية فيذهب ويقوم بفك انسداد الجلطة دون الحاجة لعملية جراحية!
ومن الواضح أنه لازالت كثير من هذه التطبيقات في مرحلة البحث والتطوير. ومما يبعث على السرور أن جامعاتنا تنبهت لهذه التقنية بل أخذت جامعة الملك سعود بزمام المبادرة والريادة بإنشاء معهد الملك عبدالله لأبحاث النانو. وفي الختام لا يسع من يطالع الأبحاث الكثيرة حول تقنية النانو في مختلف المجالات ومن ضمنها المجال الطبي إلا أن يستبشر بقفزة هائلة في جميع فروع العلم ومجالات الحياة.
المصدر: صحيفة الرياض