الهوامش العملاقة
الهوامش العملاقة
فهد عامر الأحمدي
هناك حشرات تفقس وتكبر وتتزاوج وتنجب خلال أسبوع تراه عمرا كاملا .. ولأن لا أحد يستطيع الجزم بكيفية شعورها بالزمن لا يمكننا معرفة رأيها في هذا الموضوع.. فهل تشعر الذبابة مثلا أنها تعيش عمرا قصيرا ومستعجلا؟ .. وهل تدرك السلحفاة في المقابل أنها تعيش 300 عام مملة تقضي نصفها داخل درعها الصلب؟ .. أم أن كلتيهما تشعر بذات الزمن ، وتتساويان مع إحساسنا نحن بمرور السنين والأعوام!؟
... وهذا على أي حال مجرد نموذج لنسبية الأعمار سواء كنا نتحدث عن النباتات والحيوانات أو المظاهر الطبيعية والأجرام السماوية .. وكان أحد القراء قد سألني: \"كيف تضمن دقة الارقام الخرافية التي توردها دائما في مقالاتك ؛ فمرة تخبرنا ان الديناصورات انقرضت قبل 65 مليون عام، ومرة ان عمر الارض نفسه لايتجاوز أربعة ملايين عام (يقصد أربعة بلايين) ومرة ان الانسان ظهر في آخر لحظة من عمر الأرض، ومرة أخرى أن جذوره تعود لملايين السنين على كوكب الأرض ... الخ الخ الخ\" !
الجواب ببساطة هو عدم امكانية ضمان شيء، وصعوبة تجاوز الهوامش الزمنية الضخمة حين نتحدث عن (ملايييييين السنين)..
ورغم أنني فكرت بالرد على القارئ الكريم في رسالة خاصة ولكن (حين كثرت الأسطر) قررت تحويلها الى مقال اليوم..
فبالنسبة لتحديد عمر الأحافير والرفات يمكن الاستعانة بطريقة الكربون المشع التي طورها الكيميائي الأمريكي ويلارد ليبي في الأربعينيات. فبعد موت الكائن الحي تبدأ نسبة الكربون في جسمه بالانخفاض بمعدل ثابت ومعروف . فبعد حوالي 5700 عام مثلا تختفي (نصف) كمية الكربون المشع في رفاته، وبعد 11400 عام لاتبقى من كمية الكربون الأصلية غير ربعها فقط... وباستمرار تناقصها المعلوم يمكن تحديد العمر التقريبي لكثير من الرفات البشرية والحيوانية القديمة!
غير أن الأحافير القديمة جدا لا تتضمن شيئا من الكربون؛ وفي هذه الحالة يتم اللجوء الى طريقة مشابهة تعتمد على قياس نسبة البوتاسيوم المتبقي في العظام والتي تتيح تحديد فترات تتجاوز ملايين الأعوام!
أما في حالة عدم صلاحية أي من الطريقتين السابقتين فيمكن استنتاج العمر التقريبي للاحافير من خلال الطبقة الجيولوجية المدفونة فيها (وبهذه الطريقة أصبح في حكم المؤكد ان الديناصورات انقرضت قبل 65 مليون عام) .. وحين يجد العلماء أحفورة حيوانية أو نباتية أخرى في نفس الطبقة (التي وجد فيها الديناصور) يستنتجون أنها عاشت معه في نفس الفترة !!
أما بالنسبة لعمر الأرض ذاتها فأمكن استنتاجه من خلال قياس الوقت اللازم لتصلب قشرتها الخارجية .. أضف لهذا هناك قياس نصف عمر اليورانيوم الذي أثبت ان عمر الارض لايقل بأي حال عن 4,5 بلايين عام (وهو بدوره العمر المتوقع لكامل المجموعة الشمسية)!!
... وفي حين يتجاوز عمر الارض ال 4500 مليون عام لايتجاوز عمر الانسان الكامل 40 الف عام (وأقول الكامل لأن هناك أحافير خاصة بقردة ذكية تعود لمليونيْ عام يدّعي البعض علاقتها بالانسان).. وكلا العمرين لا يقارن بعمر الأرض أو حتى الديناصورات التي عاشت لمدة 250 مليون عام وانقرضت قبل 60 مليون عام فقط !
ورغم كل هذه التقنيات أنا أول من يعترف بأن الأرقام الهائلة تقدم هامشا هائلا لا يشكل فارقا لمعظم الناس ..
بمعنى .. من يهتم بفقد (خمسة ملايين عام) حين نتحدث عن احتمال انقراض الديناصورات قبل 60 أو 65 مليون عام ؟!
ومن يهتم بفقد 500 مليون عام حين يتضح أن عمر الأرض يتراوح نفسه بين 4 و 5 بلايين عام !!
ومع هذا .. من لا يهتم بالموضوع ويستطيع التوقف عن البحث والتساؤل...
من يستطيع منع نفسه من التفكير كلما سمع قوله تعالى (قل سيروا في الأرض وانظروا كيف بدأ الخلق)؟
المصدر: صحيفة الرياض