أبو القاسم الشابي ومئة عام على ميلاده
أبو القاسم الشابي ومئة عام على ميلاده
شريفة الشملان
\"الشعر ما تسمعه وتبصره في ضجة الريح وهدير البحار وفي نسمة الورد الحائرة يدمدم فوقها النحل ويرفرف حولها الفراش وفي النغمة المرددة يرسلها الفضاء الفسيح\". أبو القاسم الشابي
مئة عام مضت ، كان مولودا تونسيا يتنفس للمرة الأولى في قرية (الشابة )حيث إليها انتسب ( ابو القاسم الشابي ) . مات وما مات شعره بقي يدمدم كالرياح ويحمل روحه المستترة ويتوالد من خلال ما نقرأ ونسمع او نكتب عن روحه الوثابة.
في بيت دين ولد ، حفظ القرآن صغيرا ، وتأججت روحه بالحياة النقية ، في عام مولده تعين والده قاضيا ، وأصبح ينتقل من مكان لآخر،في الحادية والعشرين حصل على شهادة الحقوق وهي أعلى شهادة حينذاك.
تألق شاعرنا شاعرا للحرية والنقاء ، فقدم لنا قصيدته الشهيرة :
إذا الشعب يوماً أراد الحياة فلا بدّ أن يستجيب القدر
ولا بدّ لليل أن ينجلي ولا بدّ للقيد أن ينكسر
ومن لم يُعانقه شوق الحياة تبخّر في جوّها واندثر
ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر
فويلٌ لمن لم تشُقْه الحياة من صفعة العدم المنتصر
كذلك قالت لي الكائنات وحدّثني روحها المستتر
شاعر للحلم والحب ، لنقاء الصباح وصوت الطبيعة وثغاء الشياه .
شاعر الحب النقي العفيف . ليس حب الحبيبة فقط ولكن ايضا حب أبيه الذي رعاه وظلله ونقى سريرته بالدين والتقوى حتى التصوف واللغة الجميلة . ، ولكن موت اثنين من أحبابه في أوقات متقاربة ( حبيبته ووالده )، بالإضافة لقلبه العليل منذ الولادة عجل بوفاته .ولنقرأ له:
بالأمس قد كانت حياتي كالسماء الباسمةْ
واليوم قد أمست كأعماق الكهوف الواجمةْ
قد كان لي ما بين أحلامي الجميلة جدول
يجري به ماء المحبّة طاهراً يتسلسل
جدول قد فجّرت ينبوعه في مهجتي
أجفان فاتنة أرتنيها الحياة لشقوتي
أجفان فاتنة تراءت لي على فجر الشباب
كعروسة من غانيات الشعر في شفق السحاب
ثم اختفت خلف السماء وراء هاتيك الغيوم
حيث العذارى الخالدات يمسن ما بين النجوم
ثم اختفت أواه! طائرة بأجنحة المنون
نحو السماء وها أنا في الأرض تمثال الشجون!
في الثالث من اكتوبر عام 1934م دخل مستشفى الطليان في تونس ولم يخرج منه ،إذ جاء ستة أكتوبر ففاضت روحه الشاعرية إلى ربها تاركا لنا ثروة من شعر لازلنا نردده مثل :
ليتَ لي أنْ أعيشَ في هذه الدُّنيا
سَعيداً بِوَحْدتي وانفرادي
أصرِفُ العُمْرَ في الجبالِ وفي الغاباتِ
بَيْنَ الصّنوبرِ الميَّادِ
لَيْسَ لي من شواغلِ العيشِ مَا يصرف
نَفْسي عنِ استماع فؤادي
أرْقُبُ الموتَ والحياةَ وأصغي
لحديثِ الآزالِ والآبادِ
وأغنِّي مع البلابلِ في الغابِ
وأُصْغي إلى خريرِ لوادي
وأُناجي النُّجومَ والفجرَ والأطيارَ
والنَّهرَ والضّياءَ الهادي
المصدر: صحيفة الرياض