سوبيا مضروبة: «تخصص صحي»
سوبيا مضروبة: «تخصص صحي»
خلف الحربي
توطين المهن المتعلقة بالمجالات الصحية والطبية مسألة لا يجب أن تبقى محصورة في إطارها التنموي أو الاقتصادي، إنها مسألة ذات أبعاد استراتيجية.. ففي ساعة الخطر ــ حمى الله البلاد والعباد من كل مكروه ــ فإن الكثير من الأخوة المقيمين العاملين في المستشفيات والمراكز الصحية لن يكونوا مضطرين للبقاء معنا، ولن يلومهم أحد لو غادروا إلى بلدانهم، فاللوم كل اللوم سوف يقع علينا نحن الذين تركنا عشرات الآلاف من أبنائنا وبناتنا ممن يحملون شهادات في الصيدلة والعلاج الطبيعي والتمريض والأشعة والمختبرات الطبية يجلسون على رصيف الانتظار دون أن نجد حلا حقيقيا لهم!.
في ظاهرها.. تبدو مشكلة خريجي وخريجات التخصصات الصحية بأن هؤلاء جميعا لا يتناسبون مع المعايير المطلوبة للعمل في هذا المجال الحيوي الدقيق، ولكن السؤال الأساسي الذي يصعب تجاهله: لماذا لم تتوفر هذه المعايير في الكليات الحكومية والمعاهد الأهلية التي منحتهم الشهادات؟، وهل تم تزويدها أخيرا بالمعايير أم أنها لا زالت تضخ الخريجين الذين تنقصهم المعايير وتلقي بهم على أرصفة البطالة؟!. وسط فيضان رسائل خريجي وخريجات الكليات الصحية بدت مهمة اختيار رسالة واحدة لنشرها في هذه السلسلة صعبة نوعا ما، كانت الرسائل تحتوي على قصص صغيرة وكبيرة تختلط فيها الوجوه بالمكاتب الزجاجية، حكايات وروايات كتبها شباب وشابات كان يمكن أن يكونوا في اللحظة يرتدون ملابس الممرضين والممرضات والصيادلة وأخصائيي العلاج الطبيعي وفنيي الأشعة ولكنهم يهيمون اليوم على وجوههم في مجاهل الإنترنت، في بعض الأحيان تمتد المرارة إلى حلوق أولياء الأمور، فيكون صاحب الرسالة أبا أو أما أو أختا كبيرة.. وكل هؤلاء ينتظرون اليوم الذي تنتهي فيه لعبة المواعيد والاختبارات المتلاحقة ويشاهدون أولادهم وبناتهم قد حصلوا على فرصة العمل التي يستحقونها.
ومما يجدر ذكره أن تجاوز اختبار الهيئة لا يعني بالضرورة التوظيف كما جاء في هذه الرسالة: (أنا أم والآن كبرت.. تحملت تربية أولادي عندما توفي والدهم رغم بساطة الحال، ربيتهم أحسن تربية رغم أنه لايوجد لدينا دخل سوى الضمان الاجتماعي.. والحمد لله عشنا أحسن عيشة وتزوج اثنين منهم، ولدي الأصغر دخلته معهد تمريض على حسابي لين تخرج وهذا هو له سنين ما توظف مع أنه نجح باختبار الهيئة وهو يسكن معي في ديرة صغيرة ويقيس لي الضغط والسكر!.. ويوعدني بأنه أول ما يلقى وظيفة أسكن معه).
أما من لم يتجاوز اختبار الهيئة فإنه موعود بالاستنزاف المالي رغم أنه عاطل ليس لديه أي دخل كما تقول أخصائية في العلاج الطبيعي التي استعرضت في رسالتها تكاليف الدورات والاختبارات التي تحتاجها كي تكون موائمة لشروط (انتظار التوظيف)! .. وهكذا تمر بها الأيام وهي تدفع ألف ريال هنا وألف ريال هناك دون أن تلوح في الأفق الطويل بارقة أمل!.
المصدر: صحيفة عكاظ