نملة على الجدار .. ليه
نملة على الجدار .. ليه
عبده خال
ليس صحيحا أن كل مسؤول هو الشخص الفذ الذي لم تنجب البشرية مثيلا له، هذه النظرة ترسخت في وجداننا بسبب ثقافتنا التي مجدت الفرد الواحد، وبالتالي قادتنا إلى إنتاج خصلة النفاق.
أقول إن أي مسؤول ناجح لم يرتقِ سلم نجاحه بجناحيه، لقد منحه من هم حوله عصارة أفكارهم وجهدهم لكي ينجح، ويصبح من غير اللائق التبجح بالنجاحات وحجرها على عبقرية فرد واحد.
وبعد هذه المقدمة الطويلة أجدني راغبا في تتبع خصلة أرى أنها آفتنا العظيمة، والوقوف على هذه الخصلة سيكشف لنا الاعتوار الأخلاقي الذي نمارسه من غير أي بادرة خجل، ويمكن أيضا رؤية ما يمكن أن تحدثه خصلة واحدة من دمار اجتماعي واقتصادي ونفسي (وهذا ليس تهويلا)، فنحن حين نفرط أو نتهاون في ممارسة سلوك سلبي لا نلتفت إلى ما يخلفه من أنقاض نعجز عن حملها من طريق النفوس المتوثبة للغد..
بدءا، كل منا يحمل أفكارا عظيمة تحتاج لمن يتبناها ويسندها لصاحبها من غير أن يسلب صاحب الفكرة حقه، ونحن دأبنا على سرقة أفكار الآخرين وإلحاقها بنسب أفكارنا الفذة من غير أن يهتز لنا رمش من خجل.
ولكي نعرف لماذا تنجح كثير من المشاريع والصناعات في البلدان المتحضرة، سأروى حكاية سمعتها قادمة من هناك (وهي قصة معادة لأن داء سرقة الأفكار ما زال راسخا في قناعاتنا):
يروى أن عاملا كان يعمل في مصنع لإنتاج الشامبو، ويقتصر عمله على تنظيف السيارات في الكراج، وفي ذات يوم رأى منتج مصنعه: عبارة عن قارورة ملأت بمنتج جيد الصنع وتصميم رائع، كان يتفحصها فرأى أن فتحة الزجاجة ضيقة، فتوجه مباشرة إلى رئيسه المباشر قائلا:
ــ يمكن لمصنعنا أن يضاعف من انتاجه بكميات كبيرة..
استقبله رئيسه استقبالا حسنا، وأصغى إليه حتى انتهى من كلامه وسأله:
كيف يمكن لمصنعنا أن يضاعف من إنتاجه.
فقال العامل البسيط: إن فتحة زجاجة الشامبو ضيقة ولو تم تكبيرها بعض الشيء لأدى ذلك إلى استهلاك أكبر، وبالتالي سيزداد الطلب على المنتج.
قام رئيسه بتسجيل تلك الملاحظة ورفعها لمن هم أعلى منه في السلم الإداري داخل المصنع، وقد كتب إن الفكرة ليست له، بل لذلك العامل البسيط، وتسلسلت التوصيات الى أعلى هرم إداري في المصنع وهي تحمل اسم صاحبها، ليقوم المصنع بعد ذلك بتوسيع فتحة زجاجة الشامبو، ويتم ترقية ذلك العامل واعطاؤه فرصة أن يكون فاعلا في المصنع ومن خلال أفكاره تضاعفت أرباح المصنع.
لنعد إلى أرض واقعنا العربي، ونتخيل أن هذا العامل المقذوف بعيدا عن الاهتمام تقدم بهذه الفكرة إلى رئيسه المباشر.
ما الذي سيحدث لو أن هذا العامل في بلادنا ــ الممتدة من الماء الى الماء ــ لو تفوه بفكرته لمديره لتسلسلت تلك الفكرة من شخص لآخر، وكل واحد منهم يسرقها لنفسه حتى تصل إلى المدير العام، وهي ابنة كل من مرت بهم بينما يظل صاحب الفكرة منزويا لا يعرف أحد أنه هو الذي غير مسيرة مصنع أو منشاة، ولا يقدم له إلا التقريع في تدخله فيما لا يعنيه، وبالتالى يتحول المكان الذي تعمل فيه إلى مكان تقضي فيه ساعات العمل من غير أن تشعر بالانتماء له أو تشارك في نهوضه.
إن سرقة الأفكار من أخطر ما يعترض تقدم نمو أي مجتمع ويخلق تقاعسا لدى الجميع، أعتقد أن هذا هو سر عدم المبادرة، سر عدم الانتماء، سر عدم الانتاج الجيد أو التقدم الجيد.
هل رأيتم كيف لو أننا فرطنا في إهمال عنصر أخلاقي واحد الى أي مدى يمكن أن يؤثر اجتماعيا واقتصاديا ونفسيا، ولأننا دأبنا ــ أيضا ــ على السخرية فسيرى الكثيرون أن مثل هذا القول لا يغني ولا يشبع من جوع.. عند هذا الحد يتوقف الكلام وينحرف على شاكلة نملة وقفت على الجدار تهز رأسها.. ليه؟.
المصدر: صحيفة عكاظ