خالد زارع.. شاعر مرهف وإعلامي جدد العمل الإذاعي
05-19-2010 06:54 صباحاً
2
0
2043
استهل المشوار بـ «فرسان» و «مشقاص».. وختمه بقراءة الأخبار..
يعتبر الإذاعي الراحل خالد زارع بعد بابا طاهر زمخشري، كبير رواد الإعلام وتحديدا الإذاعة والفن البرامجي والغنائي عامة في المملكة.
خالد زارع ملأ دنيا الإعلام بعطاءاته، وعرف كاتبا وممثلا ومقدما للبرامج عبر أنواعها المختلفة، حتى تقديم نشرات الأخبار. وهو كاتب أغنية مميزة (ينسى أو يسقط اسمه غالبا عندما يكون الحديث عن شعراء الأغنية)، وهو ابن ينبع التي انطلق منها محلقون كثر في دنيا الإعلام في مراحل التأسيس لشموخ هذا الوطن في شتى المجالات مثل بدر أحمد كريم وعبد الكريم الخطيب.. وزارع واحد من رجالات الإعلام في المملكة الذين ساهموا في صناعة فن إعلامي متقدم منذ سني الانطلاقة الأولى للإذاعة والنشر بشكل عام ستينيات القرن الميلادي المنصرم.
لون مختلف
لعل أهم ما ميز خالد زارع اتجاهه للون مختلف وجديد يومذاك في العمل الإعلامي، وهو الإعلام التوثيقي والسياحي فكان أول من استعرض مدن وبلدات وقرى وهجر المملكة برفقة الكاميرا في السبعينيات الميلادية في برنامجه «ربوع بلادي»، وقبل ذلك قدم هذه النوعية من البرامج للإذاعة أيضا. كما أنه اتجه للإنتاج في كثير من فترات حياته، ثم عمل مستشارا فنيا للكثير من أصحاب الأنشطة المرتبطة بالفن كان آخرها أن عمل لفترة وجيزة في شركة إنتاج فني أسسها الفنانان سامي عبد الستار وسامي إحسان وكان إلى جانبه فيها أستاذنا يحيى باجنيد كمستشار.
من هو
خالد محسن عبد الله زارع، من مواليد ينبع البحر 1940 المعروف اختصارا بـ «خالد زارع»، له من الشقيقات والأشقاء سبعة هو ثامنهم وموقعه الثاني بينهم: عصام، خالد، حاتم، زياد، أحمد (المعروف بفؤاد)، عبد الله، شقيقتان هما الأولى حرم أحد أبناء عائلة الطحلاوي والأخرى حرم الدكتور فؤاد مغربل، وله من الأبناء همام، ريهام، وخزام.
عمل في البريد في بدايات حياته العملية، ثم بدأ عمله الإعلامي في العام 1377 (1957) وذلك في الإذاعة مقدما لبرنامج «فرسان في الميدان»، وهو برنامج مسابقات في المعلومات العامة من إخراج محمد غنيم ثم بدأ في قراءة النشرات الإخبارية في الإذاعة إلى جانب كتابته وإعداده الكثير من البرامج والمسلسلات الإذاعية، حيث كان أول ما كتبه وأشهر ما كتب مسلسل «مشقاص»، وهي الشخصية التي اشتهر بها الفنان الكوميدي الشهير حسن دردير «شفاه الله، وبعد تجربة الإذاعة اتجه في العام 1395 (1975) إلى العمل التلفزيوني حيث تمت الموافقة على أن يحول فكرته الجيدة للبرنامج التلفزيوني السياحي «ربوع بلادي» إلى أرض الواقع على أن يقدم منه مبدئيا 15 حلقة لتعرض في شهر رمضان من ذلك العام، وهذا ما تم فعلا بنجاح، الأمر الذي كلفه فيه التلفزيون بإنتاج 30 حلقة من البرنامج في العام التالي وهو ما حدث بنجاح أيضا ثم اعتمد إنتاج البرنامج لدورات تلفزيونية متعاقبة حتى العام 1403 ــ 1983 ثم عاد للإذاعة ليقدم برنامجه «خليك معانا»، كما عمل طويلا في البرنامج التوجيهي اللاذع الذي كان يعده ويقدمه في التلفزيون «كلمة عتاب». وفي سنوات عمره الأخيرة ورغم مرضه، واصل خالد زارع عمله كمتعاون مع الإذاعة وجدد نشاطه معها بقراءة نشرات الأخبار إلى أن أتعبه المرض كثيرا ثم أسلم روحه الفياضة بالكرم والحب لمحيطيه من أسرته وأصدقائه مساء 28 من يناير 2009 الموافق 2/2/1430، ثم ووري جثمانه فجر اليوم التالي في مقابر أمنا حواء في جدة.
شاعر غنائي
أبدع خالد زارع في كتابة البرامج الإذاعية وتقديمها وحتى إخراجها، كما كتب الأغنية الحجازية التي كان من أشهرها للراحل طلال مداح «مجروح وائن» ، وكان بلا شك مجموعة في رجل واحد، فهو كان من الأسماء الفاعلة في كتابة الأغنية إذ قدم الكثير من أشهر الأغنيات المحلية بأصوات مداح وغيره من الأصوات المحلية والعربية التي رددت كلماته في أغنيات إعلامية خصوصا في إذاعة جدة منها ما هو بصوت كارم محمود وألحان سامي إحسان «ضيوف الرحمن، حي الوفود». ومن أشهر ما كتب لصوت طلال مداح أغنية للملك سعود «يا صاحب الجلالة» في حفلات «نجمة» في صيف الطائف، عندما كانت الحكومة تنتقل صيفا من الرياض إلى المصيف سنويا، كما كان مداح قدم عاطفيات عديدة بصوته ومن ألحانه لخالد منها «أستاهل سلمت لك أمري، تسافر تغيب، تجافيني أشكي.. تلاقيني عليك أبكي، سهرانين، يا أسمر تمر دايما، ما تسلم الجرة في كل مرة (والتي عرفت باسم الأصابع مو سوى، ياسر مكتوم مخبى حتى عن نفسي)، درب المدينة».. كما شدا له فنان العرب محمد عبده بعدد من أغنيات المناسبات والأغنيات الوصفية والوطنيات، ومع الموسيقار سامي إحسان تحديدا الذي زامله في الإذاعة طويلا قدما الكثير من الأعمال الشهيرة كمقدمات البرامج كان أشهرها لبرنامجه الإعلامي الشهير «ربوع بلادي علينا بتنادي» و «عيد ميلادك» بصوت الفنان عبد الكريم عبد القادر، وإحدى أشهر أغنيات الفنان يحيى لبان في السبعينيات الميلادية «أسير الحب والفرقا صعيبة». أيضا من أعماله الغنائية أوبريت عن عيد العرش المغربي من ألحان إحسان وأداء محمد عمر والمغربية الراحلة رجاء بالمليح قدمت كإهداء ومشاركة سعودية في عيد الجلوس في المملكة المغربية. وله أيضا أغنيته الشهيرة بصوت الفنان الدكتور عبد الله رشاد «هنا السعودية» من ألحان إحسان ترجمها بالإنجليزية عبد الرحمن باحمدين وقدمت في فانكوفر في كندا بمناسبة معرض «اكسبو» في الثمانينيات الميلادية، وكان إحسان أيضا آخر من لحن نصا للراحل خالد زارع للمطربة اللبنانية سوزان غزال بعنوان «خلاص جاني الخلاص»، وفي السبعينيات قدمت هيام يونس أغنية «تركتك خليني».. وارتبط فنيا بشكل كبير مع أصدقائه وزملائه في الحياة الفنية والإعلامية مثل فوزي محسون وصالح جلال وإحسان وسراج عمر ومحمد شفيق وغازي علي وعلي عبد الكريم وحسن تمراز وعمر كدرس وعلي باعشن والراحل محمد الخطيب في إذاعة جدة وغيرهم.
«فين خالد»
في عامه الأخير، وأنا في بيته نتسامر التفت إلي طلال مداح رحمه الله، وكأنه تذكر للتو خالد زارع المنسي من سنوات طويلة في زحمة الحياة العملية في دنيا الفن : يا هو فين خالد زارع؟ ايش أخباره؟. قلت وأنا أدرك أنه لم يسقط من وجدان وذاكرة طلال بل هي مشاغل الحياة وأسفار طلال التي لا تنتهي: «خالد موجود ودائما أنا على تواصل معه.. فقط هو تعب في هذه الأسابيع ومرض بعض الشيء»... فقال طلال: «كلمه شوف نروح نزوره ومن زمان أنا عنه». وعندما تحادثت مع زارع حول ذلك قال: «هو فين طلال من زمان أنا بسأل عنه».. وأصر على أن نذهب لزيارته معا، وكان أن ذهبنا إلى طلال الذي احتفى ورحب بصديق عمره. وبعد العشاء أصر على خالد أن يرافقنا إلى استوديو عادل الصالح لمتابعة تسجيل بعض أغنيات «سلطنته» الأخيرة، وكان منها تجديده لأغنية بدر بن عبد المحسن «هلي الجدايل.. ظلليني عن الشمس»، التي حضر تسجيلها زارع وأشرف على تسجيلها عادل الصالح. وكانت واحدة من الأمسيات التي يحبها مداح والتي تجمعه بأصدقائه وزملاء شارع الفن الطويل في الحياة.
في عيونهم
استعاد عدد من الكتاب والفنانين والإعلاميين أبرز محطاتهم مع خالد زارع، مبرزين دوره الرائد في العديد من المجالات، وعن هذا يتذكر الكاتب أحمد عائل فقيهي الراحل قائلا: «أتذكره الآن وهو من أهم الأسماء في الزمن الجميل.. أولئك الذين يمثلون الإعلام في تلك السنوات التي كنا فيها نصغي لأصوات مطلق الذيابي وبدر كريم وعبدالله راجح وأحمد حريري. كان صوت خالد زارع يطل من وراء المقدمة التي وضعها الملحن سامي إحسان في برنامج «ربوع بلادي»، وكان صوته يؤرخ لحركة البناء والتنمية عبر هذا البرنامج. أتذكره ونحن نجالسه في ظهيرة جميلة في جدة برفقة أصدقاء وإعلاميين وفنانين في منزله حيث احتفى بنا احتفاء ينبعاويا على «أكلة» سمك.. أتذكره وأنا الجيزاني المفتون بالسمك .. وأتذكر حضوره وكرمه ونكهة الحياة الحجازية والشخصية الحجازية.. أتذكره في ذلك اليوم بحضور الفنان المصري محمد ثروت.. خالد زارع أحد الأسماء التي كان لها حضورها الجميل في تأريخ الإعلام الوطني، وأتذكر الزمن الجميل للإعلام عبر أعلامه الكبار الذين كان خالد زارع أحدهم».
الصوت الرخيم
المسرحي المعروف وعضو جمعية الثقافة والفنون علي دعبوش يستهل حديثه قائلا: «حب الوطن لا يدرس، والانتماء لهذا الوطن لا يأتي إلا من مشاهدة الكثير من المعالم السياحية والفلكلورات الشعبية فيه، وكان يا ما كان في الزمن الجميل ذلك الصوت الذي ما زال يبحر في داخلي، ذلك الصوت الرخيم الذي يدق صداه بين جبال المملكة، وفي كل شبر في أرضها إنه صوت «ربوع بلادي علينا بتنادي تقول تعالوا شوفوني يا ولادي».. إنه صوت الراحل الفنان خالد زارع. كنت أشاهد برنامجه الشهير الذي يعتبر بحق أول من قدم السياحة التلفزيونية لأبناء الوطن، ونمت فينا معرفة الكثير من مدننا الحبيبة.. وأتمنى على المسؤولين إعادة إنتاج هذا البرنامج حتى يغرس في نفوس أبنائنا حب الوطن لمعرفة كل شبر من هذا الكيان الغالي على أنفسنا.. رحم الله خالد زارع ونفعنا بعلمه وإعلامه».
حفلات التكريم
صديق الأسرة الفنية محمد مكي مكوار يقول عن زارع: «ارتبطت مع الراحل عبر حفلات التكريم التي كنت أقيمها للإعلام في «القفص الذهبي» ومن خلال إبداعه في الإذاعة.. وكم أعجبت بكتاباته الإذاعية لتمثيليات الإذاعة وسباعياتها المختلفة في السبعينيات الميلادية وعلى وجه الخصوص تلك التي جمعته بحسن دردير».
اللغوي
أما اعتماد قادري الإذاعية في إذاعة البرنامج الثاني فتتذكر مشوارها مع الإذاعة وزارع فتقول: «مشواري مع الإذاعة دون العشرين عاما إلا أنني أشعر أنه ألف عام بسبب علاقتي مع الإذاعة والتعامل كمستمعة لرواد العمل الإذاعي لدينا ومنهم الراحل خالد زارع الذي استفدت كثيرا من عمله في الإذاعة وهو الذي يشعرك بأنه «اللغوي» الذي يبدو أنه استفاد كثيرا من أبيه أستاذ اللغة العربية الذي من الممكن أن يكون قد أثر عليه كثيرا في حب العربية، وحتى في أسلوب الطرح والتناول في البرامج المعتمدة على العربية. أعتبر نفسي طالبة نجيبة في مدرسة خالد زارع حتى لو في قسم الاستماع كوني واحدة ممن تشربوا من فنه الإذاعي»..
الإعلامي المرح
ابن أخيه نبيل حاتم زارع مسؤول الإعلام والعلاقات العامة في نادي جدة الأدبي يتوقف حزينا أمام الذكرى، ويقول: «رحل الإعلامي المرح خالد زارع الذي ترك حيزا واسعا عائليا وفراغا كبيرا في حب الناس له، وحبه للناس، وحب ممازحته لجميع أفراد الأسرة دون استثناء.. كبيرا كان أو صغيرا فهو قبل أن يكون خالد الإعلامي فهو عمي خالد الذي يسبق والدي حفظه الله، فكان يتميز بروح المرح والدعابة والحضور الاجتماعي الكبير، ويعد ركنا أساسيا في الاجتماعات الأسرية، حيث يضيف الشيء الكثير للحاضرين بإثرائه للمعلومات في شتى المجالات، ويعجبك كثيرا في روايته للقصص والمواقف حيث يضيف لها بعدا دراميا فيروي لك الموقف بأسلوب تشعر أنك تشاهد اللقاء مرئيا حتى وإن كان الموقف مر منذ عدة سنوات، إلا أن أسلوبه في الرواية قد يشعرك بأن الحدث كان قبل ساعات وليس سنوات... حتى فترة مرضه كان لا يخلو من المداعبة بأسلوبه المعتاد من خلال تعليقاته الفكاهية..».
علي فقندش، عكاظ - الصحة والحياة talalzari.com