غرق ووحل يصل بحر جدة بالجبل
01-28-2011 05:08 صباحاً
0
0
1160
اليوم الثاني: آثار دمار واسعة - الوفيات 4 - المفقودين بالعشرات - المجاري تغلب المياه..
رغم قراءتي لرواية الفيضان لإليزابيث غراهام وقصة الفيضان لحيدر حيدر، إلا أنني أعترف عاجزا بأنني لم أجد مفردة واحدة تصف حالة الهلع والخوف التي عاشها سكان مدينة جدة يوم أمس الأول. فالعروس الحالمة استيقظت مشوهة ومتناثرة الأشلاء، واكتشف سكانها أن حزامها الآمن الذي تتدرع به والمسمى (شارع فلسطين) أصبح حزاما ناسفا يمكن أن ينفجر في أي لحظة مع مرور أي سحابة وسقوط قطرة مطر.
تطالع وجوه البشر الشاحبة القادمين من شرق الخط السريع إلى شمال المدينة بحثا عن نقطة أمان فتكتشف أنك قادم إلى مجهول، بل ترمي نفسك في غياهب التهلكة، الكل ينظر وراءه خائفا وكأنه يفر من أسد مفترس فيكتشف أنه دخل عرين الأسد بقدميه.
تحولت جدة مع سيل الأربعاء إلى مدينة افتراضية. إسقاط من الخيال على الواقع تراه بأم عينيك .. هلع وخوف وشتات أسر وحديث عن المجهول. السوداوية تغلف كل شيء ولا حديث إلا عن ماهو أسوأ. تصل إلى حي بني مالك سباحة، وتدفعك الحاجة إلى استئجار قارب مطاطي عسى أن يقودك مع مهب الريح إلى حي مشرفة. في الطريق تسمع صراخ قائد مركبة ولا تراه عالقا تحت الكوبري يبحث عن نفس. طفل جائع مع الخادمة ينتظر حليب أمه العالقة في مدرسة في حي الكندرة. طالبات يجلسن على سطح كلية أهلية في انتظار طائرة الإخلاء .. سيارات ومركبات اختلط حابلها بنابلها وكأنما أصابتها ريح مرسلة.
إن ما بدأ قطرة تحول إلى سيل جارف بقوة تعادل 40 ضعفا من شلالات نياجارا والهدير كان يمكن سماعه من مسافة عدة كيلو مترات. ومن المضحك المبكي أن مضيق البوسفور الذي يقسم إسطنبول إلى قسمين حدث بفعل الطبيعة وأصبح التعايش معه أمرا عاديا، أما في جدة فإن فيضان انهيار سد أم الخير فقط استطاع أن يقسم جدة إلى عدة أقسام فلم يعد يعرف شمالها من جنوبها وتساوى في هذه الظاهرة سكان الشرق والغرب أيضا.
أحد الواقفين إلى جواري قال إنه (فيضان الغضب) الذي أراد الله به أن يكشف سوءات كل من اقترفت يده جريمة في حق هذه المدينة وسكانها. قلت: إذن ندعو بالمزيد، أم نقول حوالينا ولا علينا. فقال بنبرة غضب: بل علينا، بل علينا حتى يأتينا من يخاف الله وتغتسل كل الشوارع والأحياء من دنس المقصرين وتلبس المدينة ثوبا جديدا يليق بعروس البحر الأحمر.
الوجه المضيء للكارثة ما زال حاضرا في اكتشافنا حقيقة أننا نعيش في مجتمع امتلأت أحياؤه بالمواطنين العاديين المتحمسين والراغبين في التدرب على الإغاثة التخصصية رغم أننا لم نتشرب ثقافة العمل التطوعي والاستعداد للكوارث رغم قلتها، فأصبح المدنيون هم خط الدفاع الأول فهم يعلمون من فقد ومن هو أحوج للمساعدة في مناطق الإجلاء وتحولت المبادرات الذاتية إلى ورشة عمل للمتطوعين كل فيما يتقنه، فهذا يرفه على الأطفال والآخر يطبب المرضى وتلك توزع الأطعمة، بل قاموا بدور المسؤول الذي يقرع البيوت الغارقة بيتا بيتا ليساعدوا الناس للخروج منها ويساعدونهم في حمل أمتعتهم فأثبتوا أن أننا مجتمع مازال أفراده يذوبون جميعا في العائلة الكبيرة، لتظل الابتسامة هي الغالبة رغم الكارثة .. ابتسامة التعامل مع الواقع بفعالية. ولهذا نضم صوتنا إلى أصوات نفترض أنها لا تزال تريد أن تقول أفضل من إعلان اليأس: بأن الحدث قد يحطم قلوبنا لكنه لم ولن يحطم عزيمتنا.
بدر الغانمي، عكاظ - الصحة والحياة talalzari.com
رغم قراءتي لرواية الفيضان لإليزابيث غراهام وقصة الفيضان لحيدر حيدر، إلا أنني أعترف عاجزا بأنني لم أجد مفردة واحدة تصف حالة الهلع والخوف التي عاشها سكان مدينة جدة يوم أمس الأول. فالعروس الحالمة استيقظت مشوهة ومتناثرة الأشلاء، واكتشف سكانها أن حزامها الآمن الذي تتدرع به والمسمى (شارع فلسطين) أصبح حزاما ناسفا يمكن أن ينفجر في أي لحظة مع مرور أي سحابة وسقوط قطرة مطر.
تطالع وجوه البشر الشاحبة القادمين من شرق الخط السريع إلى شمال المدينة بحثا عن نقطة أمان فتكتشف أنك قادم إلى مجهول، بل ترمي نفسك في غياهب التهلكة، الكل ينظر وراءه خائفا وكأنه يفر من أسد مفترس فيكتشف أنه دخل عرين الأسد بقدميه.
تحولت جدة مع سيل الأربعاء إلى مدينة افتراضية. إسقاط من الخيال على الواقع تراه بأم عينيك .. هلع وخوف وشتات أسر وحديث عن المجهول. السوداوية تغلف كل شيء ولا حديث إلا عن ماهو أسوأ. تصل إلى حي بني مالك سباحة، وتدفعك الحاجة إلى استئجار قارب مطاطي عسى أن يقودك مع مهب الريح إلى حي مشرفة. في الطريق تسمع صراخ قائد مركبة ولا تراه عالقا تحت الكوبري يبحث عن نفس. طفل جائع مع الخادمة ينتظر حليب أمه العالقة في مدرسة في حي الكندرة. طالبات يجلسن على سطح كلية أهلية في انتظار طائرة الإخلاء .. سيارات ومركبات اختلط حابلها بنابلها وكأنما أصابتها ريح مرسلة.
إن ما بدأ قطرة تحول إلى سيل جارف بقوة تعادل 40 ضعفا من شلالات نياجارا والهدير كان يمكن سماعه من مسافة عدة كيلو مترات. ومن المضحك المبكي أن مضيق البوسفور الذي يقسم إسطنبول إلى قسمين حدث بفعل الطبيعة وأصبح التعايش معه أمرا عاديا، أما في جدة فإن فيضان انهيار سد أم الخير فقط استطاع أن يقسم جدة إلى عدة أقسام فلم يعد يعرف شمالها من جنوبها وتساوى في هذه الظاهرة سكان الشرق والغرب أيضا.
أحد الواقفين إلى جواري قال إنه (فيضان الغضب) الذي أراد الله به أن يكشف سوءات كل من اقترفت يده جريمة في حق هذه المدينة وسكانها. قلت: إذن ندعو بالمزيد، أم نقول حوالينا ولا علينا. فقال بنبرة غضب: بل علينا، بل علينا حتى يأتينا من يخاف الله وتغتسل كل الشوارع والأحياء من دنس المقصرين وتلبس المدينة ثوبا جديدا يليق بعروس البحر الأحمر.
الوجه المضيء للكارثة ما زال حاضرا في اكتشافنا حقيقة أننا نعيش في مجتمع امتلأت أحياؤه بالمواطنين العاديين المتحمسين والراغبين في التدرب على الإغاثة التخصصية رغم أننا لم نتشرب ثقافة العمل التطوعي والاستعداد للكوارث رغم قلتها، فأصبح المدنيون هم خط الدفاع الأول فهم يعلمون من فقد ومن هو أحوج للمساعدة في مناطق الإجلاء وتحولت المبادرات الذاتية إلى ورشة عمل للمتطوعين كل فيما يتقنه، فهذا يرفه على الأطفال والآخر يطبب المرضى وتلك توزع الأطعمة، بل قاموا بدور المسؤول الذي يقرع البيوت الغارقة بيتا بيتا ليساعدوا الناس للخروج منها ويساعدونهم في حمل أمتعتهم فأثبتوا أن أننا مجتمع مازال أفراده يذوبون جميعا في العائلة الكبيرة، لتظل الابتسامة هي الغالبة رغم الكارثة .. ابتسامة التعامل مع الواقع بفعالية. ولهذا نضم صوتنا إلى أصوات نفترض أنها لا تزال تريد أن تقول أفضل من إعلان اليأس: بأن الحدث قد يحطم قلوبنا لكنه لم ولن يحطم عزيمتنا.
بدر الغانمي، عكاظ - الصحة والحياة talalzari.com