• ×

زمن العجائب..«الغش» شطارة و«الظلم» فهلوة و«الكذب» ذكاء!

زمن العجائب..«الغش» شطارة و«الظلم» فهلوة و«الكذب» ذكاء!
0
0
1611
 سلوكيات التعامل المعاصرة أفسدتها أخلاقيات «المنتفعين» والواصلين على أكتاف الغير..

الظلم..الغش..الكذب..سلوكيات حرمها الله على عباده لعلمه بما ينجم عنها من ضرر وكراهية وبغضاء وقطع لأواصر المحبة والتآلف بين عباده..وما فيها من غبن وقهر وسلب لحقوق الآخرين من خلال الظلم والغش والكذب التي تمثل رؤوس الشر والفساد في الأرض.

ليست المسألة في هذا الموضوع موعظة دينية..وإنما هو تنبيه لما يحدثه الظلم والغش والكذب من تفكك وأحقاد وما يترتب عليها من أضرار ومآسٍ في المجتمع؛ بعد أن أصبحت الكثير من صوره وممارساته وأساليب سائدة وظاهرة ومتفشية وحقيقة ماثلة اليوم في المجتمعات، والمؤسف أنه رغم الوعي الديني والمعرفة بتعاليم الدين الحنيف وارتفاع مستوى الثقافة الدينية، إلاّ أنّ الظلم والغش والكذب تكاد تكون ظاهرة وسلوك سائد بين بعض الناس، ولهذا كثرت الأحقاد والمفاسد بيننا إلى درجة وصل بها الأمر عند الكثيرين إلى اعتبار الظلم والغش شطارة و»فهلوة»، واعتبار الكذب ذكاء وتسميته بالكثير من المسميات، ووضع العديد من الألوان له؛ فهناك الكذب الأبيض والكذب الأصفر وغير ذلك من الألوان.

في هذا «التحقيق» نضع أخلاقيات الناس في هذا العصر المادي للمناقشة والبحث لنعرف لماذا أصبحت سلوكيات بعض الناس اليوم سيئة، ولماذا أصيبت أخلاقياتنا بهذه الأمراض البغيضة المتمثلة في الظلم والغش والكذب، ولماذا جرفت حياة هذا الزمن أخلاقيات الناس وأفسدتها وأبعدتها عن خلق المسلم القويم الذي يحب لأخيه مايحبه لنفسه.

التربية والقدوة

بدايةً قال «د.طلعت عطار» -المستشار القانوني عضو منظمة العفو الدولية وعضو المنظمة العربية لحقوق الإنسان-: إنّ البعد عن أخلاقيات ديننا الحنيف هو مع الأسف نتاج للتربية الخاطئة والقدوة الفاسدة التي يستقيها ويتشربها النشء مما يربيه عليه والديه أو يكتسبه في مراحل التعليم أو يراه ماثلا أمامه في من حوله، وهذا يؤدي إلى فساد الأجيال وجرفها عن أخلاقيات وسلوكيات ديننا الإسلامي الحنيف، فمن المؤسف اليوم أن تصبح العادات السيئة الدخيلة علينا باسم المدنية فهلوة وشطارة، ولهذا تجد المحاكم اليوم مليئة بقضايا الظلم والكذب والغش؛ لأن الكثيرين نسوا مخافة الله والأمانة فأستمرأوا الظلم والغش والكذب، مشيراً إلى أن ذلك نتج عن هذا مانراه في المحاكم من قضايا ماكان لها أن تكون ولا أن تحدث لو حرص كل مسلم على تطبيق ماشرعه الدين من تعاليم و أوامر في كل مايقول ويفعل، والكثير من هذه القضايا مع الأسف تجدها بين أقرب الناس أخ أكل مال أخيه أو أبناء يريدون الحجر على والدهم لأنه بدأ يتصدق ويتبرع للمحتاجين وفي أوجه الخير من ماله وزوج أهمل زوجته وأبناءه وتركهم دون رعاية، وأبناء يريدون أن يحرموا زوجة أبيهم التي تزوج بها على كبر من حقها في الميراث الشرعي، وقس على ذلك الكثير من القضايا التي كانت نتيجة للظلم والغش والكذب، مضيفاً وعلينا تربية أنفسنا على التمسك بأخلاق ديننا الأب في بيته والمعلم في مدرسته والموظف في وظيفته والقاضي في حكمه والتاجر في تجارته وأن نربي هذا في أبنائنا وفي كل من حولنا..لو حدث هذا فستكون حياتنا أفضل وأكثر تماسكاً وترابطا وصحة.

ضياع الأمانة

وأكد الأستاذ «خالد البيتي» -مدير محطة تليفزيون جدة- على أنّ كل مايحدث من خلل في أخلاق الناس هو ناتج عن ضياع الأمانة بين الناس وعدم التمسك بها فالإنسان الأمين لا يمكن أن يظلم والإنسان الأمين لا يمكن أن يغش أو أن يكذب، ولأننا في هذا الزمن لم نعط للأمانة حقها من الاهتمام ولم نتمسك بها كما أمرنا الله ولهذا كثرت المظالم وانتشر الغش وأصبح الكذب بضاعة رائجة بين الناس، وكم من إنسان يفاخر بأنه ظلم فلاناً وغش آخر وكذب على ثالث وهو لا يدري أنه في الواقع يظلم نفسه ويغش نفسه ويكذب على نفسه؛ لأن كل نفس بما فعلت رهينة..وكل إنسان سيجد ماقدمت يداه حاضرا يوم الجزاء والحساب ولكن البعض مع الأسف ينسى ذلك اليوم ويسرف في غيه وفساده، مستعرضاً الكثير من الأمثلة الماثلة للظلم والغش والكذب ومنها كل موظف لا يهتم بأن يؤدي متطلبات ومهام وظيفته على الوجه الصحيح ..وكل مقاول يتلاعب في مواصفات تنفيذ المشروع الذي سلم له ولا يراعي الأمانة في تنفيذه على الوجه الأكمل..وكل تاجر يبيع السلعة بأعلى من قيمتها أو يتلاعب في درجة جودتها ومصدر صناعتها وتاريخ صلاحيتها..وكل مسؤول يجعل من منصبه وسيلة لخدمة مصالحه الخاصة والأضرار بالناس..وكذلك كل إنسان يأكل حق إنسان آخر دون وجه حق هو ظالم لنفسه أكثر من ظلمه لصاحب الحق..فهل يجهل أحد ذلك لا والله.. ولكنها الأمانة إذا فقدت ظل الناس عن طريق الحق والصلاح.

صور متعددة

وأوضح الأستاذ «عبد الله بخيت» -مستشار بإدارة الأخبار في البرنامج الثاني- أنّ الظلم أصبح صناعة رائجة في الكثير من المجتمعات، وهذا لأن الكثير من المجتمعات ابتعدت عن تعاليم الخالق عز وجل وأطلقت العنان للشر أن تحكم في أعمالها وأقوالها..ولو نظرنا لأنفسنا بشيء من الشفافية والصدق لوجدنا الكثيرين منا قد ابتعدوا عن تعاليم الدين وأوغلوا في ممارسة الكثير من أشكال الظلم لأنفسهم ولمن حولهم فالإنسان الذي يدمن المخدرات وينافي حكمها هو ظالم لنفسه ولأسرته ومجتمعه..والذي يقوم بترويج وتهريب هذه السموم هو ظالم لمجتمعه ووطنه ..وكل من يتبنى أجندات خارجية لزعزعة الأمن والاستقرار في بلاد الحرمين بلاد الأمن والأمان هو ظالم لدينه ومجتمعه ووطنه..وكل من يسعى من خلال موقعه الوظيفي أن يخدم مصالحه الشخصية ويستولي على المال العام ويتلاعب بالميزانيات التي اعتمدتها الدولة لمشاريع التنمية والبناء ويقبل الرشوة لتمرير المخالفات للنظام أو التغاضي عن الأخطاء أو التستر على الفساد المالي والإداري هو ظالم للأمانة التي أوكلت له وظالم لولاة الأمر ولوطنه ولمجتمعه، وقس على ذلك الكثير من الصور التي نراها اليوم وهي السبب في كل مانعانيه من أضرار، مشيراً إلى أنّ التخلق بأخلاق الدين هو جوهر القضية وهي التي تحميه وتمنعه من الظلم..ومن خلال مبادئ الدين السمحة تنشأ أخلاقيات التعامل في كل شيء وهي التي تكون عاصماً له من الظلم والغش والكذب.

الغش في الطعام

وأوضح المواطن الأستاذ «حسن أبو طالب» أنّ الكثير من العاملين في مجال التجارة أصبح هدفهم بالدرجة الأولى الثراء السريع بأي وسيلة ولهذا نجد البعض لا يتورع عن الغش بكل صوره وألوانه وجلب سلع رديئة بسعر رخيص وبيعها للناس بسعر مرتفع، وهذا يعد غشا يفترض أن تضع له الجهات المعنية حداً، مضيفاً أن الغش في الأطعمة وبيع أطعمة وأغذية مغشوشة على الناس أو التلاعب في تاريخ الصلاحية؛ يعد من أشنع وأبشع أنواع الغش لأنها تؤدي إلى أضرار فادحة بصحة الناس لا يمكن تعويضها بالمال وهو مايتطلب الضرب بعنف على كل من يقومون بهذا الغش ومعظمهم من الوافدين وكل من يتستر عليهم من السعوديين.

عادة سيئة

وقال المواطن الأستاذ «أحمد الزهراني» -موظف في مؤسسة تحلية المياه-: إنّ الغش أصبح اليوم عادة عند البعض الذين نزعت من قلوبهم وضمائرهم الأمانة..فعندما تذهب إلى سوق الخضار تتردد ألف مرة قبل شراء الخضروات الورقية لأنك تخاف أن تكون قد سقيت بمياه الصرف الصحي..وهناك من يؤكد لك أن الكثير من المزارع المنتشرة حول المدن تسقى مزارعها بمياه الصرف الصحي وتتساءل بحرقة كيف يسمح أصحاب هذه المزارع بتأجيرها للعمالة الوافدة التي لا تخاف الله فينا، ولا تتورع عن إطعامنا هذه الخضروات الملوثة بالمرض والعفونة.

غش العمالة

وشدد «الزهراني» أنّ غش هؤلاء العمالة الذين يسيطرون على سوق الخضار ومحلات بيعها في جدة لا يتوقف عند هذا الحد بل وصل لصور متعددة ومبتكرة من الغش منهم من تجد عنده صندوق طماطم أو غيرها من الفواكه والضار، وقد جعل أعلاه من النوعية الجيدة ويقسم لك أن أسفل الصندوق مثل أعلاه وتصدقه وتشتري وعندما تذهب به للبيت تكتشف أنه لا يوجد صالح للأكل إلا مافي أعلى الصندوق وهو بضع حبات لا أكثر، مستشهداً بأنه ومنذ أسبوع وجد أحد الباعة على قارعة الطريق يبيع كراتين ملأها بالرمان..وأخذت منه كرتوناً بعشرين ريال رغم أنه طلب مني في البداية خمسين ريالاً واستغربت أن يوافق على بيعه لي بعشرين ريالاً ودون تردد وكنت أتوقع أن لا يقل وزن الرمان في الكرتون عن اثني عشر كيلو جراما وعندما وصلت به للبيت وفتحت الكرتون لوضع الرمان في الثلاجة بعد غسله وجدت أن البائع قد وضع في أسفل الكرتون بطريقة فنية قطعة من كرتون على شكل مثلث تشغل جزءاً من الفراغ في أسفل الكرتون، ووضع الرمان فوقها بشكل لا يمكن أن تكتشف تلك الخدعة ووجدت أن وزن الرمان في الكرتون لا يزيد عن أربع كيلو جرامات ومعظم الرمان في أسفل الكرتون حبات صغيرة خضراء لم تنضج بعد وبعضها غير صالح.

سقوط المثاليات

ووصف الأستاذ «حسن أبوبكر» -مربٍ- الصورة الماثلة على ساحة التعاملات بين الناس، قائلاً إن معظمها تقوم على المصالح وهذا أمر طبيعي ولكن يجب أن لا يكون هذا على حساب المبادئ والأخلاق..ولكن المؤسف أنّ هذا هو الحاصل فالكثير من الناس إلا من رحم ربك أصبحت المبادئ عنده بضاعة قديمة غير مناسبة لهذا الزمن وتجده لا يتورع عن البحث عن مصلحته ومايخدمه بكل الطرق حتى لو كان هذا على حساب الآخرين وسحلهم ومحوهم من الوجود ومضايقتهم وتطفيشهم بكل الوسائل خاصة الأكفاء؛ لأنهم خطر على وجوده حتى يخلو له الميدان ويصبح لوحده وحوله شلة المطبلين وماسحي الجوخ..وهذا ينتج عنه في الكثير من الأحيان ظلم فادح للوطن والمجتمع لأن ابتعاد الأكفاء وغيابهم سيؤثر على مسيرة التطور والتفوق في أي مجتمع وأي دائرة أو مصلحة أو مرفق.

الأكفاء والمؤهلين

وأضاف: وجود المدرسين في المدارس غير المؤهلين وغير الأكفاء في تخصصاتهم؛ سيؤدي إلى وجود أجيال ضحلة في فكرها وعلمها وهو ظلم للعلم والتعليم إذا لم نلتفت إليه مبكراً ونعالجه..وكذلك أن يكون ذلك عاجلا لتدارك مافات ومعرفة من هو المدرس الذي جاء حبا لهذه المهنة ومن هو الذي جاء لها كوظيفة فقط، حيث إنّ الغش والظلم والكذب أصبح بضاعة رائجة في هذا العصر ولكن الأدهى والأمر أن يصل هذا الغش والكذب والظلم إلى الأمور المفصلية فتجد معلما لا يعرف عن مادته التي يدرسها أكثر مما يعرف الطالب وأن تجد مسؤولا لا يحرص على أداء أمانته التي وكلت إليه بما يتفق مع عظم الأمانة والمسؤولية..إن تفشي الظلم والغش والكذب ناتج بالدرجة الأولى عن ضعف الإيمان في القلوب وضعف مخافة الله، ولكن الظالم والغشاش والكذاب سيكتشف أمره عاجلا أو آجلاً، ولن ينجو من العقاب في الدنيا والعذاب الشديد من الخالق يوم الجزاء والحساب فهل يعي كل ظالم وغشاش وكذاب ذلك.

تناول "د.حسين جابر" -طبيب مخ وأعصاب- غشاً آخر يرتكبه بعض الأطباء ضعاف النفوس في بعض المستشفيات الخاصة مع مرضاهم؛ ممن لهم ارتباط مع بعض شركات الأدوية عن طريق وصف أدوية تلك الشركات للمرضى بداعي وبدون داعي للحصول على العمولة من تلك الشركات، وفي الكثير من الأحيان قد يكون في وصف تلك الأدوية ضرر على المريض كما أنه قد يكون وصف دواء آخر أفضل للمريض وأكثر فائدة لحالته.. ولكن مثل هؤلاء الأطباء نسوا الأمانة والضمير وأصبحت مصلحتهم أهم عندهم من صحة المريض.. ولكن هؤلاء ولله الحمد قلة.. وكذلك هذا يتطلب من المسؤولين في المستشفيات الخاصة وأصحابها متابعة جميع الأطباء الذين يتعاقدون معهم؛ خاصة حديثي التخرج حماية لصحة المرضى وحفاظاً على سمعة مستشفياتهم التي قد يشوهها طبيب فقد ضميره وأمانته الطبية.

أوضح الأستاذ "طارق أفندي" -موظف قطاع خاص- أنّ أبرز صور الظلم هو قيام بعض الشركات -التي تعمل في مجال التشغيل والنظافة- باستقدام مئات العمال وتشغيلهم لصالحها في العديد من المرافق الحكومية والأهلية، وتكدس هؤلاء العمال في مساكن ضيقة غير مناسبة، والأدهى والأمر من ذلك أنّ بعض هذه الشركات تحرم عمالها من أجورهم لمدد طويلة قد تصل في بعض الأحيان إلى ثمانية أشهر أو أكثر من ذلك، رغم أن تلك الشركات تأخذ من الجهات التي تبرم معها عقود تشغيل مبالغ كبيرة، وفي الكثير من الأحيان يضطر هؤلاء العمال إلى التسول للحصول على لقمة العيش أو التوقف عن العمل والبحث عن العمل لحسابهم الخاص، مثل مسح السيارات، أو تشكيل عصابات للسرقة، وتصنيع وبيع الخمور أو المخدرات، وهذا كله جاء نتيجة عدم مخافة الله من قبل أصحاب بعض تلك الشركات وعدم التزامهم بما أمر به ديننا الإسلامي، وهو الحرص على إعطاء الأجير حقه قبل أن يجف عرقه .. وكثيراً مانقرأ ونسمع الكثير من القصص التي تحدث نتيجة هذا الظلم الذي يقع فيه البعض لأنه تجاهل أمر دينه، حيث إنّ مثل هذه الأمور يجب أن يوضع لها حد بقوة النظام وأن لا يسمح لبعض المتمصلحين بالإساءة للوطن والمواطن وغرس الحقد في نفوس هذه الجنسيات علينا وعلى بلدنا.

سالم مريشيد، الرياض - الصحة والحياة talalzari.com